وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وهو أن الله لن ينصر نبيّه والمؤمنين وسيهلكون عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ... : أي ما يظنونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم فهم مخذولون وهالكون في الدنيا ولهم العذاب الأليم في الاخرة، ثم أكد سبحانه قدرته على الانتقام من أعدائه فقال: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً قويا لا يغالب، منتقما بحكمة.
ثم قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على أمتك وعلى الأنبياء أنهم بلّغوا وَمُبَشِّراً للمؤمنين وَنَذِيراً للكافرين لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ أي تنصروه وَتُوَقِّرُوهُ وتعظموه وتكرموه وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الضمير لله عزّ شأنه أي تنزهوه وتقدسوه في أول النهار واخره، والمراد في جميع الأوقات. ثم قال سبحانه وتعالى تشريفا لنبيّه وتكريما: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يعني في الحديبية وغيرها إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأنك إنما تبايع بأمر الله وشرعه وطاعته يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ: أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فالله هو المبايع في الحقيقة بواسطة رسوله. ثم بيّن عاقبة النكث والوفاء فَمَنْ نَكَثَ نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ لأن وبال ذلك وضرره عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً: النصر في الدنيا والنعيم المقيم في الاخرة.
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ كان النبي استنفر الأعراب قبل الخروج إلى مكة معتمرا عام الحديبية فتثاقل الكثيرون منهم وتعلّلوا بتعلات باطلة كقولهم شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا: نساؤنا وأبناؤنا فَاسْتَغْفِرْ لَنا: قالوه تقية ومصانعة لا اعتقادا بدليل قوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وكان قعودهم ظنا منهم أنه يدفع عنهم الضر ويحصّل لهم النفع، فردّ عليهم بقوله سبحانه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً: استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أحد. بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم بسرائركم.