أو سمعة، وإنما كان همهم أن يقوم هذا الدين وينتشر، وتسود العالم شريعة الحق، والعدل، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان.
ولئن كان وجد في الأمم السابقة من ضربوا مثلا عالية في التضحية والصبر والتحمل في سبيل الإيمان والدين، إلا أنهم لم يكونوا في الكثرة مثل ما كان ذلك في الإسلام، ولم يكن لهم من قوة الإيمان وصلابة الاعتقاد مثل ما كان لأصحاب نبينا محمد.
وليس أدل على هذا من أن الحواريين الذين كانوا أخلص الخلصاء لعيسى- عليه الصلاة والسلام- خانه بعضهم وهو يهوذا الأسخريوطي كما ذكرته كتبهم- ودل عليه اليهود الذين كانوا يطلبونه لقتله، لولا أن رفعه الله إليه وعصمه منهم، ولن تجد مثالا واحدا لهذا في الصحابة- رضوان الله عليهم- على كثرتهم الكاثرة على أصحاب عيسى- عليه السلام- بل كانوا يفدونه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم.
وقد كان أبو جهل الفاسق الباغي إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعة أنّبه وأخزاه، وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهنّ حلمك، ولنفيّلنّ «١» رأيك، ولنضعنّ شرفك. وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدنّ تجارتك، ولنهلكنّ مالك. وإن كان ضعيفا ضربه، وأغرى به.
وإن في هذه الرواية التي رواها ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يعطينا صورة مؤلمة غاية الألم لما كان ينالهم من العذاب، قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم، والله إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه، ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا