وفي هذا الدور من الدعوة أذن الله للمسلمين في الجهاد، وكانت أولى الوقائع المشهورة غزوة بدر الكبرى التي كانت نقطة تحول في تاريخ الإسلام، وما زال النصر يتتابع ويتوالى حتى كان فتح الفتوح، وهو فتح مكة، وبه دخل البلد الحرام الذي هو أحب البلاد إلى الله في حظيرة الإسلام، ودخل الناس فيه أفواجا من كل فج، وعمّ الإيمان والأمان في الجزيرة، وصدقت نبوءة الرسول:
«والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه» . رواه البخاري.
ولم يجاور الرسول الرفيق الأعلى حتى كانت الجزيرة كلها على قلب رجل واحد، مؤمنة موحّدة، ثم حمل أصحابه الأبطال المغاوير الأمانة من بعده، وساروا على هديه ونهجه، وجاهدوا ورابطوا، وكان لهم في الجهاد بطولات نادرة، وتضحيات غالية، حتى ركعت الدولتان العاتيتان انئذ- فارس والروم- على ركبتيهما، وثلّت عروش، وأديلت دول، وشرّق الإسلام وغرّب.
ولم يكد يمضي قرن من الزمان حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، وامتدت دولة الإسلام من بلاد المغرب غربا إلى بلاد الصين شرقا، وتحقق وعد الله لعباده الصالحين: