ما علمت من شيء حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم» ، ثم انصرف إلى ابنته زينب فقال:«أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصنّ إليك، فإنك لا تحلّين له» ، ثم حثّ رسول الله أصحابه على ردّ ما كان معه، فردّوه بأسره، فأخذه أبو العاص وذهب به إلى مكة فأعطى كل ذي حق حقه، ثم قال لهم: هل بقي لأحد منكم عندي مال يأخذه، قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما قال: فإني أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن اكل أموالكم، فقد أداها الله إليكم. ثم خرج حتى قدم المدينة.
وقد اختلفت الرواية في رد رسول الله إليه زوجته زينب أكان بالنكاح الأول، أم بنكاح ومهر جديدين؟ فالذي رواه ابن إسحاق عن ابن عباس أنه ردّها بالنكاح الأول، وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه أن رسول الله ردّ بنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد، ولكن قال فيه الإمام أحمد: إنه حديث ضعيف، والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الأول، والأول وإن كان صحيحا إلا أن العمل عند الفقهاء على الثاني، فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم فيها استمر على نكاحها، وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها، والسيدة زينب انقضت عدتها ولا محالة فقد نزل تحريم المسلمات على المشركين عام ست، وأبو العاص أسلم سنة ثمان.
ويعجبني في هذا الموضوع قول بعض العلماء: إن في قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك، بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره، وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي وقت كان، وهي امرأته ما لم تتزوج، وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم «١» .