للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وواقعا سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ: جنته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ثم استطرد سبحانه إلى ذكر خيار المؤمنين فقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ... الاية.

ثم بيّن الله أن في الأعراب منافقين، وفي أهل المدينة منافقين فقال:

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: أي مرنوا عليه لا تَعْلَمُهُمْ يا محمد يقينا، وإنما تعلمهم بعلاماتهم وأماراتهم، فهو لا ينافي قوله سبحانه في سورة محمد: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ «١» أو معناه لا تعلمهم جميعا، وهو لا ينافي أنه كان يعلم بعضهم، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة بأسماء بعضهم.

نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ اختلف في تفسير المرتين على أقوال عدة، فقيل الفضيحة في الدنيا وعذاب القبر، وقيل المصائب في الأموال والأولاد، وقيل بافتضاح أمرهم، وبما كان يداخلهم من الغم والحزن عند ظهور الإسلام. والذي يترجح عندي أن المراد به التكثير لا التحديد، فهو مثل قوله سبحانه: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ويكون المراد ما ينزل بهم في الدنيا من بلاء ومصائب وافتضاح، وما كان يحزّ في نفوسهم كلما حصل للمسلمين نصر وظهور وللإسلام انتشار ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ: عذاب جهنم خالدين فيها أبدا.

قال تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ الاية، هم أبو لبابة وأصحابه، وقد قدّمنا قصتهم خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ: بها من ذنب تخلفهم بغير عذر كسلا وتهاونا، لا نفاقا ولا شكا وَتُزَكِّيهِمْ بِها: من شبهة النفاق إلى منازل المخلصين، والضمير في أَمْوالَهُمْ* قيل للمذكورين في الاية السابقة فإنهم لما تاب الله عليهم عرضوا على النبي أن يتصدقوا بأموالهم، فأخذ منهم الثلث وترك الباقي، وعلى هذا يكون المراد بالصدقة صدقة النفل كفارة


(١) لحن القول: فحواه ومعناه الذي يفهم منه نفاقهم، وذلك بما يبدو منهم رغما عنهم ويظهر من فلتات لسانهم، وعلى قسمات وجوههم، ورضي الله عن ذي النورين عثمان حيث قال: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>