للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لله ولرسوله، ولو لم يجب صلى الله عليه وسلم ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة وعارا على ابنه وقومه، فالرسول الكريم اتبع أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهي فانتهى.

وهو لم يفعل ذلك لاعتقاده أنه يغفر له، وليس أدل على ذلك مما رواه أبو الشيخ عن قتادة: أنهم ذكروا القميص بعد نزول الاية فقال عليه الصلاة والسلام: «وما يغني عنه قميصي، إني لأرجوا أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج» أي يتخلصوا من نفاقهم، وينقادوا ظاهرا وباطنا لله ولرسوله، وأما إعطاؤه القميص فلأن الضن به يخل بالكرم، وقد كان من خلق رسول الله ألايرد طالب حاجة قط، على أنه كان مكافأة له على إعطائه العباس عم الرسول قميصه لما جيء به أسيرا يوم بدر «١» ، وكان من خلق رسول الله وال بيته رد الجميل بخير منه.

وقد استشكل بعض العلماء حديث عمر وابنه، واستبعدوا أن يفهم النبي من الاية التخيير لأن الظاهر أن «أو» للتسوية في عدم النفع، وأن يفهم من ذكر السبعين التحديد لأن ظاهر السياق أنها للتكثير، فقال بعضهم: إنه خبر احاد لا يعوّل عليه، وأنكر بعضهم صحته «٢» ، وكل هذا وذاك غير سديد، فالحديث صحيح رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وكفى بهم أئمة.

والذي ظهر لي- والله أعلم- بعد النظر والتأمل في الاية والأحاديث وما قاله الأئمة: أن الاية تحتمل التسوية، وهو الأظهر، وأن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد وهو الأظهر أيضا، وفي رواية عمر السابقة ما يدل على أن النبي كان يرى ذلك فقد قال: «لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له، لزدت» وتحتمل أيضا التخيير في «أو» ، وتحتمل التحديد في لفظ السبعين وهما مرجوحان قطعا.


(١) تفسير الالوسي، ج ١٠ ص ١٥٤.
(٢) فتح الباري، ج ٨ ص ٢٧٢- ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>