ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا، فأبوا أن يلاعنوه وقالوا: احكم علينا بما أحببت، فصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، وعلى عارية ثلاثين درعا، وثلاثين رمحا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد، واشترط عليهم ألايتعاملوا بالربا، وأمّنهم على أنفسهم ودينهم وأموالهم وكتب لهم كتابا جاء فيه:
«ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهداهم وبيعهم، لا يغير أسقف على سقيف، ولا راهب عن رهبانيته، ولا واقف عن وقفانيته» وأشهد على ذلك بعض المسلمين، ثم رجعوا إلى بلادهم فلم يلبث العاقب والسيد إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري وأقام أهل نجران على ذلك حتى توفّى الله نبيّه.
وتولى الصدّيق الخلافة فأحسن معاملتهم وأوصى بهم عند وفاته، وفي عهد الفاروق عمر تعاملوا بالربا، فأخرجهم من أرضهم وكتب لهم:(هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران من سار منهم أنه امن بأمان الله، لا يضرهم أحد من المسلمين، وفاء لهم بما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، أما بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام، وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض فاعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة، وعقبة لهم بمكان أرضهم لا سبيل عليهم فيه لأحد، ولا مغرم. أما بعد: فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم الذمة، وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن تقدموا، ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم) وأشهد على ذلك عثمان بن عفان واخر، فوقع أناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة، وذهب بعضهم إلى الشام «١» .
وما حدث من النبي وخليفته هو غاية العدل والإحسان والتسامح مع النصارى، ولولا أنهم تعاملوا بالربا، وأصبحوا يكونون خطرا اجتماعيا