للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض» ، فقرّ رأيهم على أن يدفن في حجرة السيدة عائشة حيث مات.

وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح «١» لأهل مكة، وكان أبو طلحة الأنصاري- وهو الذي كان يحفر لأهل المدينة- يلحد «٢» . فأرسل إليهما العباس رسولين، فأما رسول أبي عبيدة فلم يجده، وأما الثاني فقد وجد أبا طلحة، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأهل المدينة، ونزل في الحفرة العباس، وعلي، وقثم، والفضل، وشقران، ومعهم أوس بن خولي أيضا، وأخذ شقران مولى رسول الله قطيفة كان يلبسها ففرشها للنبي في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.

وبين الأسى والحزن والدموع، وتفطر القلب على الحبيب المغيب في اللحد، أهالوا التراب على القبر الشريف، ثم رشّوا عليه الماء، وكان ذلك في ليلة الأربعاء بعد يومين من وفاته صلى الله عليه وسلم، فلما توفي الصدّيق دفن بجانب صاحبه، وكان هناك موضع قبر كانت عائشة تدّخره لنفسها، فلما طعن الفاروق أوصاهم أن يستأذنوا عائشة في أن يدفن بجانب صاحبيه، فلما قبض استأذنوها، فأذنت واثرته على نفسها، وتحققت رؤياها، فقد كانت رأت أن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتها، فكان الثلاثة هم الثلاثة أقمار الذين ملأوا الدنيا إيمانا وهدى، وعدلا ورحمة، ونورا وضياء، ووضعوا الأساس الصالح للحضارة الإسلامية الفذة التي أرسى قواعدها هؤلاء السادة الأخيار، وعزت عن أن يكون لها مثيل.

ولم تكن القبور الثلاثة داخل المسجد حتى كان عهد الوليد بن عبد الملك، فأمر نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يوسع في المسجد من جميع جوانبه، فاضطروا إلى إدخال الحجر في المسجد ومنها حجرة عائشة، ومع هذا احتاطوا غاية الاحتياط، فأحاطوا القبور بحائط مرتفع كيلا تظهر في المسجد فيصلي إليها


(١) في القاموس: ضرحه كمنعه. وضرح الميت حفر له ضريحا، والضريح البعيد، والقبر أو الشق وسطه أو بلا لحد. فالمعنى يشق وسط القبر.
(٢) في القاموس: ولحد القبر كمنع وألحده عمل له لحدا: وهو الشق بجانب القبر ثم يوضع فيه الميت.

<<  <  ج: ص:  >  >>