للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكريم، وليس أدل على هذا من هذه القصة: روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما- واللفظ للبخاري- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

(جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها «١» ، فقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا «٢» !! وقال اخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر!! وقال اخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!! فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي «٣» فليس مني» ) .

وفي رواية مسلم: (فقال بعضهم: لا اكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش) ، وفي الصحيحين أيضا عن سعد بن أبي وقاص قال: (ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل «٤» ، ولو أجاز له لاختصينا) «٥» .

وهذا هو المنهج الوسط، الذي جاءت به الشريعة الوسط؛ للأمة الوسط التي هي خير أمة أخرجت للناس. والإسلام ليس دين رهبانية، فالرهبانية لا تليق بعمارة الكون، وليست من سنن الأنبياء، والذين اتبعوا الرهبانية من اليهود والنصارى ابتدعوها من عند أنفسهم، قال تعالى:


(١) تقالّوها: بتشديد اللام المضمومة: أي استقلوها.
(٢) هو قيد لليل لا لأصلي.
(٣) السنة: الطريقة المشروعة، وليس المراد السنة التي تقابل الفرض.
(٤) التبتل: ترك النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة.
(٥) الاختصاء: نزع الأنثيين حتى يفقد القدرة الجنسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>