وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شجاعته وبطولته الجسمانية الشجاعة النفسية والبطولة الروحية، وإنا لنلمس هذا في قوله لعمه أبي طالب وقد قال له:
(يا ابن أخي أبق علي وعلى نفسك) فظنّ أن عمه خاذله، فقال قولته المشهورة:
«والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته» وأخذت هذه العظمة النفسية بنفس أبي طالب وبهرته، فما كان منه إلا أن قال له:(اذهب فقل ما أحببت، فو الله لن أسلمك لشيء أبدا!!) وفيما قدمناه في كتابنا من شجاعة النبي وبطولته الشيء الكثير.
ومع هذه الشجاعة الفائقة قد كان رؤوفا رفيقا بالناس رحيما بهم، رقيق القلب، تجري دموعه رقة ورحمة، فقد كان إذا رأى سيدنا مصعب بن عمير، وهو يلبس خلق الثياب، مع أنه ترعرع في أحضان النعيم، ولكن اثر الشقاء مع الإيمان، على النعيم في الكفر- بكى!!.
ولما أذن الله في زيارة قبر أمه، «بالأبواء» بكى وأبكى من حوله، ولما مات ولده إبراهيم بكى وقال:«العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ، ولما قال له عبد الرحمن بن عوف، وقد راه يبكي:(وأنت يا رسول الله؟!) قال: «يا ابن عوف، إنها رحمة» !! ولما ذهب النبي وأصحابه إلى سعد بن عبادة يعوده في مرضه، وقد غشي عليه، فبكى، وبكى معه أصحابه، وقال:«إن الله لا يؤاخذ بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يؤاخذ بهذا» وأشار إلى لسانه، وقال في موقف اخر:«إنها- الدمعة- رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»«١» .
(١) صحيح البخاري- كتاب الجنائز- باب البكاء عند المريض، وباب يعذب الميت ببكاء أهله عليه.