من هيبته رعدة فقال له:«هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» أي اللحم المشقّق المجفف.
وقد فتحت عليه الدنيا ودانت له الجزيرة كلها فما أخرجه ذلك عن تواضعه وخلقه، ولما دخل مكة فاتحا منتصرا طأطأ رأسه حتى لتكاد تمس مقدمة الرّحل تواضعا لله تعالى، إلى غير ذلك من الأخبار الصحاح والحسان، التي زخرت بها كتب الحديث، والسير، والشمائل المحمدية.
وشيء اخر لا نكاد نجد له مثيلا في تاريخ الدنيا، وهو أدبه صلى الله عليه وسلم مع إخوانه الأنبياء والمرسلين، فقد بلغ به التواضع، وهضم النفس، والإقرار بالفضل لذويه أن يظهر بعضهم بمنزلة فوق منزلته، مع أنه أفضلهم جميعا بشهادة القران والحديث، والتاريخ الصادق، والواقع الذي لا ينكر، ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى:
فقد كاد يجمع المفسرون على أن المراد بقوله:«ورفع بعضهم درجات» هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال الزمخشري في تفسيره:
(أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة، والظاهر أنه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المفضّل عليهم، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الايات المتكاثرة المرتقية إلى الألف اية، أو أكثر، ولو لم يؤت إلا القران واحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر، دون سائر المعجزات، وفي هذا