للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرف ذلك في وجهه فمضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها!! ثم مر بهم الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فأقبل عليهم قائلا: «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح» فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع «١» حتى إن أشدهم فيه وصاة بإيذائه ليرفؤه «٢» ، ويلاطفه، ويقول له:

انصرف أبا القاسم راشدا، فما كنت بجهول «٣» .

وهكذا كان الواحد منهم يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا الشر، أو أن ينال منه بالسب، أو يغمزه ويلمزه، فإذا واجهه النبي اضطرب وتلعثم وخارت قواه وتملكه الخوف.

٣- لما وقعت غزوة بدر الكبرى كان النصر فيها للفئة القليلة المؤمنة، على الفئة الكثيرة الكافرة، فقد قتل فيها الكثير من المشركين، وأسر من أسر، وكان من الأسرى وهب بن عمير بن وهب الجمحي، وكان أبوه شيطانا من شياطين قريش وسفهائهم، كما كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة، جلس يوما بعد الموقعة مع صفوان بن أمية يتذاكران مصابهم في بدر، وما نزل بهم من الهزيمة الساحقة الماحقة، فقال عمير: والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضّيعة بعدي لركبت إلى محمد فأقتله، فإن ابني أسير عنده، فاغتنمها صفوان بن أمية، فقال له: عليّ دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير:

فاكتم علي، قال: سأفعل.

ثم أمر عمير بن وهب بسيفه فشحذ له، وسمّ، ثم انطلق حتى وصل


(١) يعني أخذهم الخوف فسكنوا واطمأنوا ونكسوا رؤوسهم.
(٢) ليهدئه ويسكنه كالمعتذر له.
(٣) السيرة لابن هشام، ج ١ ص ٢٨٩؛ والبداية والنهاية لابن كثير، ج ٣ ص ٤٥، ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>