قواعد البحث العلمي أنه إذا تعارض النقل فلنأخذ بما هو أصح وأوثق، ورواياتهم هذه التي يروونها لا تنهض إلى معارضة ما دل عليه القران، ونصت عليه الروايات الصحيحة.
وإذا كان البعض قد ارتاب في تفاصيل القصة، فقد نفاها من أساسها (وليم موير) وذكر أنها من الإسرائيليات ابتدعها اليهود قبل الإسلام بأجيال، ليربطوا بها بينهم وبين العرب بالاشتراك في أبوة إبراهيم لهم أجمعين، أن كان إسحاق أبا لليهود، فإذا كان أخوه إسماعيل أبا العرب فهم إذا أبناء عمومة توجب على العرب حسن معاملة النازلين بينهم من اليهود، وتيسر لتجارة اليهود في شبه الجزيرة، ويستند المؤرخ الانكليزي في رأيه هذا إلى أن أوضاع العبادة في بلاد العرب لا صلة بينها وبين دين إبراهيم، لأنها وثنية مغرقة في الوثنية، وكان إبراهيم حنيفا مسلما.
وسأدع الدكتور محمد حسين هيكل- رحمه الله- يردّ عليه، قال: ولسنا نرى مثل هذا التعليل كافيا لنفي واقعة تاريخية، فوثنية العرب بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرون كثيرة لا تدل على أنهم كانوا كذلك حين جاء إبراهيم إلى الحجاز، وحين اشترك وإسماعيل في بناء الكعبة، ولو أنها كانت وثنية يومئذ لما أيّد ذلك رأي سيرموير، فقد كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام، وحاول هو هدايتهم فلم ينجح، فإذا دعا العرب إلى مثل ما دعا إليه قومه فلم ينجح، وبقي العرب على عبادة الأوثان لم يطعن ذلك في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى مكة، بل إنّ المنطق ليؤيد رواية التاريخ، فإبراهيم الذي خرج من العراق فارا من أهله إلى فلسطين وإلى مصر- رجل ألف الارتحال، وألف اجتياز الصحاري، والطريق ما بين فلسطين ومكة كان مطروقا من القوافل منذ أقدم العصور، فلا محل إذا للريبة في واقعة تاريخية انعقد الإجماع على جملتها.
والسير وليم موير والذين ارتأوا في هذه المسألة رأيه يقولون بإمكان انتقال جماعة من أبناء إبراهيم وإسماعيل بعد ذلك من فلسطين إلى بلاد العرب، واتصالهم وإياهم بصلة النسب وما ندري، وهذا الإمكان جائز عندهم في شأن