صحيح مسلم من رواية ابن وهب «ملهمون» ، وهي «الإصابة بغير نبوة» ، ووقع في رواية للبخاري زيادة «من غير أن يكونوا أنبياء»«١» .
فمن ثمّ نرى أن المعاني كلها تلتقي عند معنى الإلهام، وأن في بعض الروايات التنصيص على أنه إلهام بغير نبوة، فدل على فرق ما بين إلهام الأنبياء وإلهام المحدّثين غير الأنبياء، وهذا الإلهام بغير نبوة هو ما يعرف بالعبقرية، فهي لا ترجع إلى الذكاء، والفطنة، والتجربة، وإنما مرجعها إلى الإلهام وإلقاء الصواب في النفس من غير تعمّل وتكلّف، فالعبقرية إذا تليق بملهم محدّث من أصحابه كعمر، والزعامة إنما تليق بسياسي محنك كمعاوية مثلا، والقيادة الحربية إنما تليق بأمثال سيف الله خالد، وسعد، وأبي عبيدة، والبطولة إنما تليق بالكثيرين من أصحابه كعلي، وأبي دجانة، وأبي طلحة، والمقداد بن عمرو، وطلحة بن عبيد الله- رضي الله عنهم أجمعين- على ما اتصفوا به من قوة الإيمان، وحسن السيرة، وسمو الأخلاق.
إنه صلّى الله عليه وسلّم فوق أي عبقري، وأجلّ من أي زعيم، وأعظم من أي قائد، وأشجع من أي بطل، وأسمى من أي مصلح، لقد جمع له من صفات هؤلاء خيرها، وأفضلها، وأعدلها، وأرحمها. ولكنه فوق هؤلاء جميعا، إنه نبي يوحى إليه، ورسول يبلّغ عن ربه، وهذا ما لا يدرك ولا ينال.
فجعل العبقرية، أو الزعامة، أو القيادة، أو البطولة، أو الإصلاح، أو أو ... عنوانا له صلّى الله عليه وسلّم فيه تحيّف عليه، وهضم لحقه صلّى الله عليه وعلى اله وسلم.
والذين كتبوا في حياة النبي وسيرته من غير المسلمين لا يؤمنون به على أنه نبي ورسول، فمن ثمّ كتبوا عنه على أنه عظيم، أو بطل، أو مصلح، أو زعيم أو نحو ذلك، وإن كان بعضهم كتب عنه تحت عنوان «حياة محمد» ولا يجوز لنا معاشر المسلمين المؤمنين، ولا سيما أهل العلم، والدين، أن نجاريهم فيما عنونوا
(١) صحيح البخاري- كتاب فضائل الصحابة- باب مناقب عمر، وصحيح مسلم- كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل عمر.