للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل: نكح فلان فلانة، فجلست أنظر، فضرب الله على أذني فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت، ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته» «١» .

حتى الأمور التي قد يتسامح فيها في عهد الطفولة أثناء اللعب قد صانه الله تعالى منها، قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فيما ذكر لي- يحدّث عما كان الله يحفظه به في صغره أنه قال: «لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل الحجارة لبعض ما يلعب الغلمان، كلنا قد تعرّى وأخذ إزاره وجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة، ثم قال: شدّ عليك إزارك، قال: فأخذته وشددته علي، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري علي من بين أصحابي» وقد سمعت فيما سبق ما حدث له أثناء نقله الحجارة مع أعمامه في بناء الكعبة.

بل كان من توفيق الله له أنه كان يقف مع الناس بعرفات قبل أن يوحى إليه، ولا يصنع ما تصنع قريش من عدم وقوفها مع الناس بعرفات، ووقوفها بالمزدلفة، فعن جبير بن مطعم قال: «لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه «٢» ، وإنه لواقف على بعير له مع الناس بعرفات حتى يدفع معهم، توفيقا من الله عز وجل له» «٣» . رواه أحمد.

وكان النبي محل ثقة الناس وأماناتهم، لا يأتمنه أحد على وديعة من الودائع إلا أدّاها له، ولا يأتمنه أحد على سر أو كلام إلا وجده عند حسن الظن به، فلا عجب أن كان معروفا في قريش قبل النبوة «بالأمين» .

وقد استمرت هذه الثقة إلى ما بعد النبوة، ولذلك لما هاجر صلّى الله عليه وسلّم أبقى عليا


(١) الشفا بحقوق المصطفى ج ١ ص ١٠٦؛ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٨٧.
(٢) أي الوحي.
(٣) البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>