للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- عربا وغير عرب-، إلا أنه- والحق يقال- لم يكن هناك شعب من الشعوب له رصيد من الفضائل النفسية، والذاتية، والخصائص الجسدية، والعقلية، والأخلاقية مثل ما كان للشعب العربي، كالمحافظة على الأنساب، وسلامة اللغة، والذكاء، والفطنة، وصفاء النفس، وإرهاف الحس، والشجاعة، والمروءة، والنجدة، وحماية الجار، والعزة، والحرية، وإباء الضيم، والوفاء بالعهد، والقدرة على البيان، وفصاحة اللسان، وتملك نواصي فنون القول، والتأثر بالكلمة، والغيرة على الأعراض، والتضحية بالنفس والأهل والمال في سبيل ما يعتقد، أو يقتنع به، واقتحام المخاطر ومواطن الأهوال من غير تهيب ولا وجل، إلى غير ذلك من الصفات التي كانت متأصلة في العرب، وقد علمت فيما سبق عزم عبد المطلب على ذبح أحب أبنائه إليه وفاء بنذره، وما كان من السموأل حينما ضحّى بابنه وفاء بوعده، وما كان من النعمان بن المنذر حينما أنف- وهو التابع- أن يزوج ابنته من كسرى- وهو المتبوع الغالب- وتحمّل في سبيل ذلك ما تحمل، إلى غير ذلك مما لا يتسع المقام لبسط القول فيه، وهي أحداث تدل على معان كبيرة، وعلى خصائص أصيلة لهذا الجنس العربي.

لهذا- ولغيره- اختار الله خاتم أنبيائه ورسله من العرب برسالة عامة خالدة، واستأهل العرب أن يكونوا أحق الشعوب بحمل هذه الرسالة، وتبليغها إلى الناس جميعا، ولم يمض قرن من الزمان حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، وامتدت دولته من المحيط إلى المحيط.

ومن هذا العرض الموجز نرى أن بعثة النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه كانت ضرورة بشرية لإنقاذ العالم مما تردّى فيه من مهاوي الضلال، والمفاسد، والاثام، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول:

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) «١» .

وها هو العالم اليوم في جاهلية دونها الجاهلية الأولى، ولا مخلّص له مما يعانيه إلا اتباع شريعة الحق والعدل، والخير والسلام: شريعة الإسلام.


(١) الاية ١٠٧ من سورة الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>