أما الأول: فالله سبحانه وتعالى قام على وجوب وجوده الدلائل العقلية، والافاقية، والأنفسية والتنزيلية.
وأما الملائكة فقد أخبر بوجودهم الأنبياء، وتواترت على ذلك الكتاب السماوية كلها بما لا يدع مجالا للشك في وجودهم، وأجمع على وجودهم أهل الأديان جميعا.
والفلاسفة قديما وحديثا- إلا الشرذمة المادية- يقرون بوجود عالم غير محسوس وراء هذا العالم المحسوس، وأن الإنسان ليس جسما ماديا فحسب، وإنما هو جسم وروح.
وإذا ثبت وجود عالم وراء هذا العالم المحسوس لم يبق مجال إذا- وقد أخبر بوجودهم الأنبياء والرسل، والكتاب السماوية- لإنكار وجود الملائكة.
وأما الثاني: وهو استعداد النبي أو الرسول للتلقّي عن الله، أو عن الملك، فهو أمر ممكن؛ إذ الأنبياء والرسل لهم من سمو فطرتهم، وصفاء أرواحهم وإعداد الله سبحانه لهم إعدادا خاصا: جسمانيا، وروحيا ما يؤهلهم لتلقي الوحي من الله، أو الملك الموكل بذلك، والفهم منه، وليس لنا في هذا أن نقيس الغائب على الشاهد، أو عالم الروح على عالم الحس والمادة، وإلا ضللنا عن الصراط المستقيم.
وإذا ثبت هذان الأمران فقد ثبت- ولا محالة- إمكان الوحي، وأنه لا استحالة فيه، ومن ادّعى الاستحالة فعليه البيان، وأن يقيم على ذلك البرهان، ثم إن بعض المخترعات الحديثة، كاللاسلكي، والمذياع، والتليفزيون، ونحوها تمكن الإنسان بوساطتها أن يبلغ الكلام أو الصورة إلى من هو أبعد من مصدره بألوف الأميال، فإذا توصل الإنسان- على عجزه- إلى هذه الوسائل، أفنستبعد على خالق القوى والقدر، العليم الخبير، أن يبلّغ رسله ما يريد بوساطة أو بغيرها؟! وأن يهيىء للموحى إليه من الوسائل ما يجعله مستعدا لتلقّي الوحي؟!
وإذا ثبت أن الوحي ممكن، وأن كل ممكن أخبر بوقوعه الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم فهو واقع كانت النتيجة: أن الوحي ثابت، وواقع لا محالة.