للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«اصبر أبا اليقظان، اللهم لا تعذب من ال ياسر أحدا بالنار» . ومرّ أبو جهل اللعين بسمية، وهي تعذب في الله، فطعنها بحربة في ملمس العفة منها، فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام! ثم لم يلبث أبوه أن توفي تحت وطأة العذاب!!

ويطول العذاب بعمار حتى كان لا يدري ما يقول، فيظهر كلمة الكفر على لسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ويجيء عمار- وهو يبكي- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له: «ما وراءك» ؟ قال: شر يا رسول الله: نلت منك، وذكرت الهتهم بخير، قال: «كيف وجدت قلبك» ؟ قال: «مطمئنا بالإيمان» ، فجعل النبي يمسح عينيه بيده، ويقول له: «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» !! ولهج بعض الناس بأن عمارا كفر، ولكن رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى صدع بالحق فقال: «كلا، إن عمارا ملىء إيمانا من مفرق رأسه إلى أخمص قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه» !!

ثم ينزل الوحي بشهادة السماء على صدق إيمان عمار، قال تعالى:

مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) «١»

فكانت الاية إعذارا لهؤلاء المعذبين في الله بأن لا حرج عليهم إن جاروا الكفار بطرف اللسان، ما دام القلب عامرا بالإيمان، ورخصة يترخص بها من خاف على نفسه الهلاك.

ومن المعذبين في الله عامر بن فهيرة «٢» ، أسلم قديما، وصحب النبي والصدّيق في الهجرة يخدمهما، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا.


(١) الاية ١٠٦ من سورة النحل.
(٢) بضم الفاء وفتح الهاء وإسكان الياء وهي أمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>