للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزول هذه الاية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف، والدليل على ذلك ما عند البخاري في «كتاب الحدود» في حديث عبادة هذا «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بايعهم قرأ الاية كلها» وفي صحيح مسلم قال: «فتلا علينا اية النساء قال:

لا تشركن بالله شيئا..» .

وفي رواية الطبراني للحديث: «بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة..» ثم قال: فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الاية بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة، وإنما حصل الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا: العقبة، والبيعة على مثل بيعة النساء يوم الفتح، وكانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدّح به. فكان يذكرها إذا حدّث تنويها بسابقته، فلما ذكر هذه البيعة التي صدرت على مثل بيعة النساء عقب ذلك توهّم من لم يقف على حقيقة الحال أن البيعة الأولى وقعت على ذلك «١» .

وهذا الذي ذكره الحافظ هو الذي يجب أن يصار إليه، فهو- رحمه الله- من أعلم الناس بالقران وتنزلاته، والسنة وطرق الجمع بين رواياتها المختلفة، وبالسيرة وتواريخ الصحابة، وله انتقادات كثيرة صائبة على ابن إسحاق وغيره من كتاب السير وتاريخ الرجال.

وهذه التحقيقات والتنبيه إلى المغالط والأوهام في الرواية هي من أهم ما يعنى به الدارسون للسيرة النبوية في ضوء القران والسنة، وهي قد تخفى على غير المتخصصين في علوم القران والسنة وعلومها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا.

والخلاصة: أن المبايعة في العقبة الأولى كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق، وألايخافوا في الله لومة لائم، وعلى الولاء والنصرة لرسول الله إذا قدم عليهم يثرب، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم، وأولادهم، وأما المبايعة على مثل بيعة النساء فقد كانت بعد ذلك.


(١) فتح الباري ج ١ ص ١٢، ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>