للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني جمح: أمية بن خلف، ومن بني سهم نبيه ومنبّه ابنا الحجاج، وغيرهم ممن لا يعد من قريش.

فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيا، فتشاوروا، فقال قائل منهم- وهو أبو البختري بن هشام-: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله: زهيرا والنابغة، ومن مضى منهم حتى يأتيه الموت.

فقال الشيخ النجدي: لا، والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجنّ أمره من وراء الباب إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من بين أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي فانظروا غيره.

فتشاوروا، ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا أخرج عنّا فو الله ما نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، وتعود لنا واحدتنا وإلفتنا كما كانت.

فقال الشيخ النجدي: ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال، فو الله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب فيتابعوه، ثم يسير بهم إليكم حتى يغلبكم، وينتزع الأمر من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأيا غير هذا.

فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: ما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا، نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل «١» فعقلناه لهم.


(١) العقل: الدية، سميت بذلك لأنهم كانوا يعقلون الإبل التي يقدمونها في الدية بالعقل جمع عقال، وهو الحبل الذي تشد به الإبل حتى لا تفلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>