وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الاخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الاخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية ولا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ هو الذي صدّق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
واتقوا الله في عاجل أمركم واجله، في السر والعلانية، فإنه مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً، ومن يتّق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيّض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة.
خذوا بحظكم، ولا تفرّطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة، ولا قوة إلا بالله.
فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» .
روى هذه الخطبة الإمام محمد بن جرير، وفي السند إرسال، وقد حرصت على ذكرها كلها لأن فيها قبسا من نور الوحي، وحكما من حكم النبوة، وهي نموذج رائع من كلمه الجوامع، وحكمه النوابغ، وفيها القدوة لمن يحب أن يقتدي بالرسول في خطبه، ويحتذي به في مواعظه.