وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكافئهم على ما قدّموا له وللمهاجرين من برّ ومواساة وإيواء، ولكن القوم سموا وأبوا إلا أن يكون عملهم لوجه الله، لا يريدون من أحد عليه جزاء ولا شكورا.
وإن شئت في باب الإيثار أروع من ذلك وأعجب، فإليك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النضير للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وتشاركونهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة» فقالت الأنصار: «بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها» !! ذكره البغوي في تفسيره.
يا لله لهذه النفوس الكريمة الأبيّة، المؤثرة السخية!! لقد كان جزاؤهم من ربهم أن أنزل فيهم قرانا يتلى إلى يوم الدين، وصدق الله:
وأن قال فيهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه مشيدا بمناقبهم وفضلهم «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» وأن جعل حبهم علامة الإيمان، وبغضهم علامة النفاق فقال:«اية الإيمان حب الأنصار، واية النفاق بغض الأنصار» وقال: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» . وأن أوصى بهم المسلمين بعده خيرا، فقد حدّث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:
«مرّ أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون،