للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بإذن محمد، ولا ينحجر «١» على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم، وأن الله على أثر «٢» هذا.

وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه؛ وأن النصر للمظلوم؛ وأن يثرب حرام جرفها «٣» لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم. وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى «٤» ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو اثم، وأنه من خرج امن ومن قعد امن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم. وأن الله جار لمن بر واتقى» .

هذه هي الوثيقة التي وضعها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ قرابة أربعة عشر قرنا؛ وهي وثيقة جديرة بالإعجاب حقا، وثّق فيها ما بين المهاجرين والأنصار من إخاء وحلف، وقرّر فيها حرية العقيدة لغير المسلمين، وحرية الرأي، وحرمة المدينة، وحرمة الحياة، وحرمة المال، وبذلك سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى تقرير حقوق الإنسان من هذا الزمن البعيد. وقرر فيها أيضا تحريم الجريمة والإثم والغدر والخديعة، وهي فتح جديد حقا في الحياة السياسية والمدنية في هذا العالم يومئذ، هذا العالم


(١) يعني لا يلتئم جرح على ثأر.
(٢) في حياة محمد «على أبر» .
(٣) الجرف: موضع قريب من المدينة. وفي ابن هشام «جوفها» .
(٤) في حياة محمد «على أتق» .

<<  <  ج: ص:  >  >>