للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمينهم وتقديم شتى الخدمات لهم، وليس أدل على هذا مما رواه البلاذري في فتوح البلدان أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لواقعة اليرموك ردّوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الجزية وقالوا: (قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم) ، فقال أهل حمص:

(لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل- مع أنه على دينهم- عن المدينة مع عاملكم) ، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود.

وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد «١» ...

وقد يقول قائل فما تقول في الحديث الشريف: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ؟

قلنا: المراد بالحديث فئة خاصة، وهم وثنيو العرب، أما غيرهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم على التخيير بين الأمور الثلاثة التي نص عليها حديث مسلم.

على أن بعض كبار الأئمة كمالك والأوزاعي ومن رأى رأيهما يرون أن حكم مشركي العرب كحكم غيرهم في التخيير بين الثلاثة: الإسلام، أو الجزية أو القتال، واستدلوا بحديث مسلم السابق، ويقولون: إن حديث «أمرت أن أقاتل الناس» منسوخ، أو أن فيه إيجازا واقتصارا على بعض الأمور الثلاثة «٢» .

وإذا نظرنا بعين الإنصاف إلى الذين حملوا حديث المقاتلة على وثنيي العرب، لا نجده يجافي الحق والعدل، فهؤلاء الوثنيون الذين بقوا على شركهم لم يدعوا وسيلة من وسائل الصد عن الإسلام إلا فعلوها، ثم هم أعرف الناس بصدق الرسول، فهو عربي من أنفسهم والقران عربي بلغتهم، فالحق بالنسبة


(١) أشهر مشاهير الإسلام، ج ١ ص ٥٢.
(٢) فتح الباري، ج ١ ص ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>