للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى فريق من العلماء وعلى رأسهم ابن عباس أنه لا نسخ، وأن الايتين محكمتان، وأن قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ إنما هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فلهما أن يفطرا ويطعما بدل كل يوم مسكينا. رواه البخاري في صحيحه، وعلى رأي ابن عباس ومتابعيه تكون الايتان قد نزلتا مرة واحدة.

وفي مبدأ الإسلام كان الصائم إذا أفطر يأكل ويشرب ويباشر امرأته إلى أن ينام أو يصلّي العشاء، فمتى نام أو صلّى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والمباشرة، فشق ذلك على المسلمين، ووقع بعضهم في الحرج بسبب هذا، فخفف الله عن الأمة، ورحمها، وأباح لهم هذه الثلاثة إلى طلوع الفجر «١» .

روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل من حديث طويل في أحوال الصلاة والزكاة قال: وكانوا يأكلون، ويشربون، ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة- يعني ابن قيس- كان يعمل صائما حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلّى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فراه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهد كثيرا فقال: «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا» ، فأخبره. وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ندما، فذكر له ذلك، فأنزل الله سبحانه: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ ... ،

إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ورواه أبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه، وغيرهما.

وبهذا استقر تشريع الصيام على هذا اليسر ورفع الحرج، وتأكد وجوبه بالسنة القولية والعملية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وأجمع على هذا المسلمون، فلا يحل لمسلم أن يفرّط في هذا الأصل من أصول الإسلام الذي هو من أسس التقوى، وهي جماع الخير كله، ومن حكمه تزكية النفوس


(١) تفسير ابن كثير والبغوي، ج ١ ص ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>