وروى الواقدي بسنده عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ما التفتّ يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني» .
وإن الإنسان ليدهش من هذه الشجاعة التي لا نكاد نجد لها مثالا في تاريخ الدنيا، إن لهذه السيدة البطلة لتاريخا حافلا في باب الجهاد في الإسلام، فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمتها: أنها شهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم وابنيها: حبيب وعبد الله، وشهدت كذلك بيعة الرضوان، وقد أبلت بلاء حسنا في حروب الردة.
وكان مسيلمة الكذاب قد ظفر بابنها حبيب وهو مقبل من عمان إلى المدينة وأخذه أسيرا «١» ، فقال له: أتشهد أني رسول الله: فيقول: لا أسمع، فيقول:
أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم، فيقطع منه عضوا، وما زال يسأله ويجيب بما أجاب به حتى قطّعه إربا إربا، ومات شهيد عقيدته مرضيا عليه من ربه، وأبت عليه بطولته أن يداهن في موطن تجيز له التقيّة أن يوافق ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان، ولكن المؤمنين الأبطال يأبى عليهم إيمانهم الفذ إلا العزائم!!.
ولما بلغها ما صنع الكذاب بحبيب عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة، فلما كان يوم اليمامة ذهبت إلى الصدّيق تستأذنه في الخروج، فقال لها: ما مثلك يحال بينه وبين الخروج، فقد عرفناك، وعرفنا جرأتك في الحرب، فاخرجي على اسم الله.
فخرجت هي وابنها عبد الله، وأصيبت يومها باثني عشر جرحا، وفقدت يدا في هذا اليوم وكانت حريصة على قتل مسيلمة، ولم يهدأ بالها حتى قابلها ابنها البطل عبد الله بن زيد الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة، وسيفه يقطر دما من دمه، فقالت له: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت شكرا لله، وعادت وقد فقدت في
(١) وذكر ابن عبد البر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إلى مسيلمة الكذاب باليمامة، ففعل به ما ذكرنا.