وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وقد يقول قائل: كيف يوافق النبي صلى الله عليه وسلم على إيفاد هاتين السريتين مع أناس ليسوا بمسلمين، وفي جوار رجل لم يدخل الإسلام، مع احتمال أن يكون هذا استدراجا للمسلمين ومكيدة للإيقاع بهم، وقد كان النبي من رجاحة العقل، وبعد النظر، والمواهب السياسية بالمنزلة التي لا تدفع؟ وللجواب عن ذلك نقول:
١- إن حفظ الجوار كان من خيرة فضائل العرب والخلق المتأصل فيهم، فاحتمال الغدر بهم مستبعد، ولا سيما أن القراء كانوا في جوار رجل له منزلته في بني عامر، وهو أبو براء. ولذلك لم يقبل بنو عامر أن يخفروه في جواره، فاستصرخ عليهم عامر بن الطفيل قبائل من بني سليم.
٢- إن إيفاد هاتين السريتين لم يكن إلا حلقة من حلقات الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى هذا الدين، والسهر على نشره بشتى الوسائل، أليس غاية ما يحتمل أن يموتوا شهداء؟ وهذا ما كان يرجوه كل مسلم انئذ. وصدق الله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إما النصر والغنيمة، أو الموت والشهادة.