للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة- والله يعلم إني بريئة- لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقني، والله ما أجد لكم ولي مثلا إلا قول أبي يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.

ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «١»

، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان «٢»

من العرق وهو في يوم شات من ثقل الوحي الذي ينزل عليه.

فلما سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّي عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها: «يا عائشة أما الله عز وجل فقد برّأك» فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، وأنزل الله- عز وجل-:

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... العشر الايات كلها- يعني إلى قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «٣» .

فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة- يعني عنها- ما قال، فأنزل الله:

وَلا يَأْتَلِ «٤»

أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ


(١) بضم المواحدة وفتح الراء وبالمد: الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي.
(٢) الجمان: بضم الجيم حبات اللؤلؤ أو الفضة.
(٣) سورة النور: الايات ١١- ٢٠.
(٤) ولا يحلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>