للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا بما هو دونه في الفظاعة وما ذلك إلا لأمر.

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القران، حتى سئل عن هذه الايات فقال: «من أذنب ذنبا ثم تاب عنه قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة» ، وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك، وقد برّأ الله أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه «١»

، وبرّأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وبرّأ عائشة بهذه الايات العظام، في كتابه المعجز، المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على أنافة محل سيد ولد ادم، وخيرة الأولين والاخرين، وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق من عظمة شأنه صلى الله عليه وسلم، وتقدم قدمه، وإحرازه لقصب السابق دون كل سابق- فليتلق ذلك من ايات الإفك، وليتأمل كيف غضب الله له في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه) «٢» .


(١) هذه القصة رويت في صحيح البخاري، وقد أشار إليها الله في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا، وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً، وكانوا رموه بأنه «ادر» أي منتفخ الخصية، وبينا هو ذات يوم يغتسل في البحر وقد ترك ثيابه على حجر، إذ فرّ الحجر بثوبه، فصار يجري وراءه وهو يقول: ثوبي يا حجر، فرأى الناس أن ليست به أدرة.
(٢) تفسير الكشاف، ج ٢ ص ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>