في عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام من صفاء ورمز إلى التوحيد والواحدة والألفة والمحبة.
وللحج حكمته وفلسفته التي لا يتسع لها المقام هنا، ولو لم يكن فيه إلا أنه مؤتمر المسلمين الأكبر لكفى، فما بالك وفيه ما فيه من تزكية النفوس والسمو بالأرواح وغفران الذنوب، والتقوى والمساواة بين الناس جميعا، وألوان العبر والعظات!!.
نعم إنه المؤتمر السنوي الأكبر الذي يتلاقى فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فيتقاسمون السراء والضرّاء، ويتجاوبون في الالام والامال، ويتشاورون في كل ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم، ويتعاونون على البر والتقوى، والتكافل والتناصر، ألا ما أعظمه من مؤتمر لو اهتبل فرصته المسلمون!!
وليس في الحج وثنية كما يزعم بعض أعداء الإسلام، وليس أدل على ذلك من أن كل شعيرة ونسك من مناسكه لا ينفك عن التهليل والتكبير، والثناء على الله العلي العظيم، وإنما الأمر كما قيل:
أمرّ على الديار: ديار سلمى ... أقبّل ذا الجدار، وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حبّ من سكن الديارا
فالطواف بالكعبة ليس تعظيما للحجارة، وإنما هو تعظيم لرب البيت، وتقبيل الحجر الأسود ليس حبا للحجر، وإنما هو حب لرب الحجر، وهو الله سبحانه، وعلى المسلم إذا خفي عليه شيء من حكم تشريعات الله تبارك وتعالى أن يقول: سمعنا وأطعنا، لا يتهم الشريعة، بل يتهم عقله القاصر، ويقول كما قال الفاروق الملهم العبقري:(اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك)«١» .