للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هؤلاء الثلاثة فقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» «١» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» ولما كبرت قال علي للنبي:

ألا تتزوج ابنة حمزة فقال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة» .

وإن لنا هنا لوقفة عند هذه القضية الشائكة، فكل من الثلاثة أدلى بحجته، وعلي وجعفر تربطهما بالنبي صلة القرابة الوثيقة، وهما بالنسبة للبنت أبناء عمومة، وزيد تربطه بالنبي علاقة تربية ومحبة، بهما اثر النبي على أهله حتى تبناه النبي، ثم أبطل ذلك الإسلام فيما أبطل، قضية محيّرة حقا، ولكن ذا القلب الكبير والعقل الواسع قضى فيها خير ما يكون القضاء، فزيد مهما نال من شرف الأخوة وحقها لحمزة فهو دون علي وجعفر في استحقاق ابنة حمزة، وقد يرى بعض بني هاشم في تربيتها في بيت مولى لهم ما يخل بمنزلتهم في قريش، أو ترى البنت الهاشمية في ذلك غضاضة عليها، فبقي التفاضل بين علي وجعفر، كلاهما من بني هاشم، وكلاهما ابن عم لها، وكلاهما من السابقين الأولين من المهاجرين ومنزلتهما في الإسلام معروفة، فليكن التفاضل بما وراء ذلك فمن ثمّ قضى بها لجعفر، لأن خالتها عنده والخالة كما قال الصادق المصدوق بمنزلة الأم.

وقد يبدو بادىء الرأي أن عليا كان أولى بها، لأنه ابن عم، وزوجه بنت عم لها، ولكن كيف؟ وابنة العم مهما بلغت من الكرم والتسامح والرعاية لن تكون كالخالة، وربما ترى في وجود ابنة العم معها- وهي من تحل لزوجها- منافسا لها، فلا تعجب إذا كان صاحب القلب المضيء، والنظر الرحيب، قد قضى بهذا القضاء العادل الحكيم، فقضى بها لجعفر، أو إن شئت الدقة فقل لخالتها التي عنده: أسماء بنت عميس، وهي من هي دينا وخلقا وتضحية في سبيل الله ورسوله.

ولا يخفى على العارف بالنفوس البشرية وما يدبّ فيها من الخواطر والهواجس ما عسى أن يداخل نفوسهم من ألم أو خواطر لفوات ما كانت تحب


(١) الأولى بفتح الخاء وسكون اللام والثانية بضم الخاء واللام.

<<  <  ج: ص:  >  >>