الاجتماعي الواعي، بحيث تتجلّى في هذا الإنتاج خصائصه الفكرية، والوجدانية، والسلوكية. وهذا المفهوم يتسع لكل ما يتصل بالروح، والفكر، والفلسفة، والأخلاق، والقانون، والفنون، فضلا عن الجانب المادي من العمران، وما ينتجه العلم التجريبي والاختراع مما يتصل بجميع مرافق الحياة كالصناعة والزراعة، والطب، والهندسة، وما إليها مما يكون عونا على تيسير العيش، ورغد الحياة.
كما يستخلص من هذا أيضا أن المجتمعات تختلف في نموها الحضاري، بمقدار ما تسهم في تحقيق عناصر الحضارة في حياتها، وبمقدار ما يسعفها وعيها، وظروفها البيئية في هذا الصدد «١» .
بناء على هذا نقول: هل كانت للعرب حضارة قبل الإسلام؟.
نعم. قد كانت لهم حضارة في اليمن، وفي ديار عاد، وفي ديار ثمود، وفي الحيرة، وفي بلاد غسان، وفي بلاد الشام، بل وفي بلاد الحجاز ذاتها: في مكة، والمدينة، والطائف.
وقد علمت ما كان في اليمن من قيام ممالك ذات سيادة وسلطان، ولها نظم وقوانين، ومجالس شورى وقضاء، إلى غير ذلك مما ذكرناه سابقا، وما وصلت إليه الممالك من حضارة زاهية وعلم وفن، فقد أقاموا السدود، والخزانات، للاستفادة بالماء، وعدم تبدده في الصحراء، وبذلك تمّ لهم تنظيم الصرف، والري، وليس من شك في أن هذا يتطلب فنا، وعلما بالأصول الهندسية، وتقدما في الفن المعماري، وناهيك بسد (مأرب) الذي يعدّ من أفخم وأضخم ما صنعه الإنسان في العصور القديمة، وفيما قصه القران الكريم عن مملكة (سبأ) وما كشف عنه علماء الاثار في الزمن الأخير ما يشهد لذلك، وقد بلغت اليمن من بسط العيش، ورخاء الحياة، وفخامة المدنية ما حمل معاصريهم من اليونانيين أن يسموا بلادهم (بلاد العرب السعيدة) .
وكذلك كان في عاد حضارة زراعية، وصناعية، وتجارية، ومعمارية،
(١) من محاضرة في أسبوع القران بجامعة أم درمان الإسلامية للدكتور فتحي الدريني.