وكانت حصونهم ثلاثة مجاميع، وكل مجموعة ثلاثة حصون تمتد من الجنوب إلى الشمال، يتخلّلها النخيل والزروع والمنازل المتفرقة. وهذه المجاميع هي:
النطاة، والشق، والكتيبة، أما النطاة فكانت ثلاثة حصون: ناعم، والصعب، وقلة، وكانت الشق حصنين: أبي، والبريء، وأما الكتيبة فكانت ثلاثة حصون: القموص، الوطيح، والسلالم.
وتشاور اليهود فيما بينهم فأشار عليهم زعيمهم سلام بن مشكم فأدخلوا أموالهم وعيالهم حصني الوطيح والسلالم، وأدخلوا ذخائرهم حصن ناعم، ودخلت المقاتلة وأهل الحرب حول حصن النطاة.
والتقى الجمعان حول حصن نطاة واقتتلوا قتالا شديدا، وضيّق المسلمون الحصار على حصون خيبر، واليهود يستميتون في الدفاع عنها لأنهم يعلمون أن هزيمتهم ما هي إلا القضاء الأخير عليهم في جزيرة العرب، وتتابعت الأيام والقتال يشتد، فالمسلمون يبدون من ضروب الشجاعة والاستبسال والتضحية ما هم أهل له، واليهود يستميتون في الدفاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» .
فبات الناس ليلتهم يتمنى كل منهم أن يعطاها، حتى إن عمر قال:
ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فلما أصبح الصباح قال:«أين علي بن أبي طالب» ؟
فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فدعاه فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ بإذن الله، فأعطاه الراية وقال له:«انفذ إليهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم»«١» .
ولما ذهب إليهم خرج مرحب اليهودي يختال في سلاحه، ويرتجز ويدعو إلى المبارزة قائلا: