للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَيْهَا وَهُوَ مَا لَوْ تُرِكَ لَتَسَرَّبَ الْفَسَادُ إِلَى مَجْمُوعِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى عَهْدِ الْخَلِيفَتَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَقَدْ كَانَتْ خَاصَّةُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ عَاشَرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَلَقَّوْا عَنْهُ مُتَوَاصِلِينَ مُتَكَاتِفِينَ، يَشْعُرُ كُلُّ مِنْهُمْ بِمَا يَشْعُرُ بِهِ الْآخَرُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى نَشْرِ الْإِسْلَامِ وَحِفْظِهِ، وَمُقَاوَمَةِ كُلِّ مَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ عَقَائِدِهِ وَآدَابِهِ وَأَحْكَامِهِ وَمَصَالِحِ أَهْلِهِ، وَكَانَ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ تَبَعًا لَهُمْ، وَلَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِيمَا طَرَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَزَالَ تِلْكَ الْوَحْدَةَ وَلَكِنَّنَا نَذْكُرُ مَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْخَيْرِ الْآمِرَةُ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهِيَةُ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَيِ الْقَائِمَةُ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْوَحْدَةِ وَحِفَاظُهَا، فَإِنَّ أَعْمَالَهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ. أَقُولُ: وَذَكَرَ أُمُورًا مُجْمَلَةً عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ نُفَصِّلُهَا وَنَزِيدُ عَلَيْهَا فَنَقُولُ:

(١) الْعِلْمُ التَّامُّ بِمَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ - ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ هُنَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ الدُّعَاةِ الْعِلْمُ بِالْقُرْآنِ، وَالْعِلْمُ بِالسُّنَّةِ وَسِيرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وَسَلَفِ الْأُمَّةِ الصَّالِحِ، وَبِالْقَدْرِ الْكَافِي مِنَ الْأَحْكَامِ، فَهَذَا شَيْءٌ مِنَ الْبَيَانِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَتَفْصِيلٍ، أَهَمُّهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْقُرْآنِ إِنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى كَوْنِهِ هُدًى وَعِبْرَةً وَمَوْعِظَةً عَلَى نَحْوِ تَفْسِيرِنَا هَذَا، وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ وَمَا صَحَّ مِنْ أَقْوَالِ الرَّسُولِ وَسِيرَتِهِ وَيُنْظَرُ فِي هَذَا أَيْضًا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا تَوَاتَرَ عَمَلًا وَمَا صَحَّ سَنَدًا وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ.

(٢) الْعِلْمُ بِحَالِ مَنْ تُوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الدَّعْوَةُ فِي شُئُونِهِمْ وَاسْتِعْدَادِهِمْ وَطَبَائِعِ بِلَادِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، أَوْ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي عُرْفِ الْعَصْرِ بِحَالِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ارْتِضَاءِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ كَوْنَهُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ أَعْلَمَ بِالْأَنْسَابِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابُ " بَحْرِ الْأَنْسَابِ " يُرَاجِعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِأَحْوَالِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَبُطُونِهَا، وَتَارِيخِ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَسَابِقِ أَيَّامِهَا، وَأَخْلَاقِهَا كَالشَّجَاعَةِ وَالْجُبْنِ وَالْأَمَانَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَمَكَانِهَا مِنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَمَا كَانَ إِقْدَامُهُ - مَعَ لِينِهِ وَسُهُولَةِ خُلُقِهِ الَّتِي يَعْرِفُهَا لَهُ كُلُّ أَحَدٍ حَتَّى الْإِفْرِنْجِ - عَلَى حَرْبِ أَهْلِ الرِّدَّةِ إِلَّا لِهَذَا الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَلَمْ يَهَبْ وَلَمْ يَخَفْ، وَقَدْ خَافَ عُمَرُ وَأَحْجَمَ عَلَى شِدَّتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ; أَيْ خَافَ أَنْ تَضْعُفَ بِمُحَارَبَتِهِمْ شَوْكَةُ الْإِسْلَامِ. . . حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ " فَهَذِهِ قُوَّةُ الْعِلْمِ لَا قُوَّةُ الْجَهْلِ، وَأَقُولُ: إِنَّ الْعِلْمَ الْخَاصَّ بِحَالِ مَنْ تُوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الدَّعْوَةُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَرْعًا لِلْعِلْمِ بِهَذِهِ الْعُلُومِ فِي نَفْسِهَا، وَسَأُبَيِّنُ ذَلِكَ.

(٣) مَنَاشِئُ عِلْمِ التَّارِيخِ الْعَامِّ لِيَعْرِفُوا الْفَسَادَ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ، فَيَبْنُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>