حَوْزَتِهِ وَحَرِيمِهِ " رَاجِعْ رَأْيِكَ فِيمَا تَشْهَدُهُ كَثِيرًا حَتَّى بَيْنَ الْعَامَّةِ عِنْدَمَا يَرْمِي أَحَدُهُمْ أَهْلَ الْبَلَدِ الْآخَرِ أَوْ دِينَهُ بِسُوءٍ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ " كَسُورِيٍّ " يَنْتَقِدُ
الْمِصْرِيِّينَ أَوْ مِصْرِيٍّ يَنْتَقِدُ السُّورِيِّينَ " هَذَا إِلَى مَا يَعْلَمُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ أَنَّ مَا تَنَالُهُ أُمَّةٌ مِنَ الْفَوَائِدِ يَلْحَقُهُ حَظٌّ مِنْهَا وَمَا يُصِيبُهَا مِنَ الْأَرْزَاءِ يُصِيبُهُ سَهْمٌ مِنْهُ، خُصُوصًا إِنْ كَانَ بِيَدِهِ هَامَاتُ أُمُورِهَا وَفِي قَبْضَتِهِ زِمَامُ التَّصَرُّفِ فِيهَا، فَإِنَّ حَظَّهُ " حِينَئِذٍ " مِنَ الْمَنْفَعَةِ أَوْفَرُ وَمُصِيبَتَهُ بِالْمَضَرَّةِ أَعْظَمُ وَسَهْمَهُ مِنَ الْعَارِ الَّذِي يَلْحَقُ الْأُمَّةَ أَكْبَرُ، فَيَكُونُ اهْتِمَامُهُ بِشُئُونِ الْأُمَّةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا وَحِرْصُهُ عَلَى سَلَامَتِهَا بِمِقْدَارِ مَا يُؤَمِّلُهُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَخْشَاهُ مِنَ الْمَضَرَّةِ.
" فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي مَمْلَكَةٍ أَلَّا يَكِلَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: إِمَّا رَجُلٌ يَتَّصِلُ بِهِ فِي جِنْسِيَّةٍ سَالِمَةٍ مِنَ الضَّعْفِ وَالتَّمْزِيقِ مُوَقَّرَةٍ فِي نُفُوسِ الْمُنْتَظِمِينَ فِيهَا مُحْتَرَمَةٍ فِي قُلُوبِهِمْ يَحْمِلُهُمْ تَوْقِيرُهَا وَاحْتِرَامُهَا عَلَى التَّغَالِي فِي وِقَايَتِهَا مِنْ كُلِّ شَيْنٍ يَدْنُو مِنْهَا، وَلَمْ تُوهِنْ رَوَابِطهَا اخْتِلَافَاتُ الْمَشَارِبِ وَالْأَدْيَانِ، وَإِمَّا رَجُلٌ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي دِينٍ قَامَتْ جَامِعَتُهُ مَقَامَ الْجِنْسِيَّةِ، بَلْ فَاقَتْ مَنْزِلَتُهُ مِنَ الْقُلُوبِ مَنْزِلَتَهَا كَالدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي حَلَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ - وَإِنِ اخْتَلَفَتْ شُعُوبُهُمْ - مَحَلَّ كُلِّ رَابِطَةٍ نَسَبِيَّةٍ ; فَإِنَّ كُلًّا مِنَ الْجَامِعَتَيْنِ " الْجِنْسِيَّةِ عَلَى النَّحْوِ السَّابِقِ وَالدِّينِيَّةِ " مَبْدَآنِ لِلْحَمِيَّةِ عَلَى الْمُلْكِ وَمَنْشَآنِ لِلْغَيْرَةِ عَلَيْهِ.
" أَمَّا الْأَجَانِبُ الَّذِينَ لَا يَتَّصِلُونَ بِصَاحِبِ الْمُلْكِ فِي جِنْسٍ وَلَا فِي دِينٍ تَقُومُ رَابِطَتُهُ مَقَامَ الْجِنْسِ فَمَثَلُهُمْ فِي الْمَمْلَكَةِ كَمَثَلِ الْأَجِيرِ فِي بِنَاءِ بَيْتٍ لَا يَهُمُّهُ إِلَّا اسْتِيفَاءُ أُجْرَتِهِ، ثُمَّ لَا يُبَالِي أَسَلِمَ الْبَيْتُ أَوْ جَرَفَهُ السَّيْلُ أَوْ دَكَّتْهُ الزَّلَازِلُ، هَذَا إِذَا صَدَقُوا فِي أَعْمَالِهِمْ يُؤَدُّونَ مِنْهَا بِمِقْدَارِ مَا يَأْخُذُونَ مِنَ الْأَجْرِ، وَاقِفِينَ فِيهَا عِنْدَ الرَّسْمِ الظَّاهِرِ ; فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ لَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأُمَّةِ الَّذِي هُوَ خَادِمٌ فِيهَا وَلَا يَمَسُّهُ شَيْءٌ مِمَّا يَمَسُّهَا مِنَ الضَّعَةِ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا، إِذَا فَقَدَ الْعَيْشَ فِيهَا فَارَقَهَا وَارْتَدَّ إِلَى مَنْبَتِهِ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، بَلْ هُوَ فِي حَالِ عَمَلِهِ وَخِدْمَتِهِ لِغَيْرِ جِنْسِهِ لَاصِقٌ بِمَنْبَتِهِ فِي جَمِيعِ شُئُونِهِ مَاعَدَا الْأَجْرَ الَّذِي يَأْخُذُهُ - وَهَذَا مَعْلُومٌ بِبَدَاهَةِ الْعَقْلِ - فَلَا يَجِدُ فِي طَبِيعَتِهِ وَلَا فِي خَوَاطِرِ قَلْبِهِ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى الْحَذَرِ الشَّدِيدِ مِمَّا يُفْسِدُ الْمُلْكَ أَوِ الْحِرْصَ الزَّائِدَ عَلَى مَا يُعْلِي شَأْنَهُ، بَلْ لَا يَجِدُ بَاعِثًا عَلَى الْفِكْرِ فِيمَا يُقَوِّمُ مَصْلَحَتَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ. هَذِهِ حَالُهُمْ هِيَ لَهُمْ بِمُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ لَوْ فَرَضْنَا صِدْقَهُمْ وَبَرَاءَتَهُمْ مِنْ أَغْرَاضٍ أُخَرَ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْأَجَانِبِ لَوْ كَانُوا نَازِحِينَ مِنْ بِلَادِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَضَرَبُوا فِي أَرْضِ
غَيْرِهِمْ طَلَبًا لِلْعَيْشِ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ، وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ فِي تَحْصِيلِهِ صَدَقُوا أَوْ كَذَبُوا، وَسَوَاءٌ وَفَوْا أَوْ قَصَّرُوا، وَسَوَاءٌ رَاعَوُا الذِّمَّةَ أَوْ خَانُوا، أَوْ لَوْ كَانُوا مَعَ هَذَا كُلِّهِ يَخْدِمُونَ مَقَاصِدَ لِأُمَمِهِمْ يُمَهِّدُونَ لَهَا طُرُقَ الْوِلَايَةِ وَالسِّيَادَةِ عَلَى الْأَقْطَارِ الَّتِي يَتَوَلَّوْنَ الْوَظَائِفَ فِيهَا - كَمَا هُوَ حَالُ الْأَجَانِبِ فِي الْمَمَالِكِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَامِلًا عَلَى الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَلَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute