للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ قَتْلِهِمْ وَبِنَاءً عَلَى الْإِرْجَافِ بِقَتْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَيَانِ أَنَّ مَوْتَ كُلِّ نَفْسٍ مَنُوطٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ - إِلَى أَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ - اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَسْبَابِ، أَيْ وَمَا كَانَ الْمَوْتُ حَاصِلًا لِنَفْسٍ مِنَ النُّفُوسِ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى، وَسَوْقُ الْكَلَامِ مَسَاقَ التَّمْثِيلِ بِتَصْوِيرِ الْمَوْتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النُّفُوسِ بِصُورَةِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي لَا يَتَسَنَّى لِلْفَاعِلِ إِيقَاعَهَا وَالْإِقْدَامَ عَلَيْهَا بِدُونِ إِذْنِهِ تَعَالَى، أَوْ بِتَنْزِيلِ إِقْدَامِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَبَادِيهِ وَسَعْيِهَا فِي إِيقَاعِهِ مَنْزِلَةَ الْإِقْدَامِ عَلَى نَفْسِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيقِ الْمَرَامِ; فَإِنَّ مَوْتَهَا حَيْثُ اسْتَحَالَ وُقُوعُهُ عِنْدَ إِقْدَامِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَبَادِيهِ وَسَعْيَهَا فِي إِيقَاعِهِ فَلِأَنْ يَسْتَحِيلَ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَظْهَرُ، وَفِيهِ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ مَا لَا يَخْفَى " اهـ.

أَقُولُ: وَقَدْ بَيَّنَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ النَّفْيَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ لِلشَّأْنِ لَا لِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَهُوَ يُفَسِّرُ مِثْلَ " مَا كَانَ اللهُ لِيَفْعَلَ كَذَا " بِنَحْوِ قَوْلِهِ: مَا صَحَّ مِنْهُ وَمَا اسْتَقَامَ لَهُ، أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ الصَّحِيحِ الْمَعْهُودِ وَلَا مِنْ سُنَنِهِ الْمُسْتَقِيمَةِ الْمُطَّرِدَةِ، وَلَكِنَّهُ (أَيْ صَاحِبَ الْكَشَّافِ) لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بِقَاعِدَةٍ وَاضِحَةٍ يَجْرِي عَلَيْهَا بِتَعْبِيرٍ يُؤَدِّي الْمَعْنَى بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. وَأَوْضَحُ مَا يُقَالُ فِي هَذِهِ التَّعْبِيرَاتِ وَأَصَحُّهُ: أَنَّهُ بَيَانٌ لِكَوْنِ هَذَا الْمَنْفِيِّ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ اللهِ وَلَا مِنْ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، فَمَعْنَى وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النُّفُوسِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ اللهِ فِيهَا أَنْ تَمُوتَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ الَّتِي يُجْرِي بِهَا نِظَامَ الْحَيَاةِ وَارْتِبَاطَ الْأَسْبَابِ فِيهَا بِالْمُسَبِّبَاتِ، وَسَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فَتُؤَكِّدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْعَامُّ فِي مِثْلِهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: كِتَابًا مُؤَجَّلًا فَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلُهُ، أَيْ كَتَبَهُ اللهُ كِتَابًا مُؤَجَّلًا، أَيْ أَثْبَتَهُ مَقْرُونًا بِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ لَا يَتَغَيَّرُ: وَمُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ، فَالْمُؤَجَّلُ ذُو الْأَجَلِ، وَالْأَجَلُ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلشَّيْءِ قَالَ - تَعَالَى -: وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا

الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا [٦: ١٢٨] وَمِنْهُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ الَّذِي ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ، أَيْ مُدَّةٌ يُؤَدَّى فِي نِهَايَتِهَا، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْعُقُولِ الْمُقَيَّدَةِ، وَالْأَفْهَامِ الضَّيِّقَةِ، أَنَّ كَوْنَ الْمَوْتِ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ مَحْدُودٍ فِي عِلْمِ اللهِ يُنَافِي كَوْنَهُ بِأَسْبَابٍ تَجْرِي عَلَى سُنَنِ اللهِ ; وَلَيْسَ لِهَذَا التَّوَهُّمِ أَدْنَى شُبْهَةٍ مِنَ الْعَقْلِ فَيُرَدُّ بِالدَّلَائِلِ النَّظَرِيَّةِ، وَلَا مِنَ الْوُجُودِ فَيُفَسَّرُ بِالسُّنَنِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمَوْتِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْأَجَلِ أَظْهَرَ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَقْرُونًا بِالسَّبَبِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَعَرَّضُونَ لِأَسْبَابِ الْمَنَايَا بِخَوْضِ غَمَرَاتِ الْحُرُوبِ وَالتَّعَرُّضِ لِعَدْوَى الْأَمْرَاضِ، وَالتَّصَدِّي لِأَفَاعِيلِ الطَّبِيعَةِ، ثُمَّ قَدْ يَسْلَمُ فِي الْحَرْبِ الشُّجَاعُ الْمُقَدَّمُ، وَيُقْتَلُ الْجَبَانُ الْمُخَلَّفُ. وَيَفْتِكُ الْمَرَضُ بِالشَّابِّ الْقَوِيِّ، مِنْ حَيْثُ تَعْدُو عَدْوَاهُ الْغُلَامُ الْقَمِيءُ، وَتَغْتَالُ فَوَاعِلُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْكَهْلَ الْمُسْتَوِي، وَتَتَجَاوَزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>