للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهَا أَنَّهُ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِهِ مِنَ النَّارِ لَا أَنَّهُ يَجِيءُ بِهِ، وَمِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ

أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَهُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا مَانِعَ مِنْ إِمْضَاءِ هَذَا الْإِتْيَانِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّ غَلَّ الْإِنْسَانُ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْأَشْيَاءِ الصَّامِتَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ مَهْمَا كَثُرَتْ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ رَجُلًا اسْتَشْكَلَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَهُ ذَاكَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ يَغُلُّ مِائَةَ بَعِيرٍ أَوْ مِائَتَيْ بَعِيرٍ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهَا؟ فَأَجَابَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ مَنْ كَانَ ضِرْسُهُ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ مِثْلَ هَذَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، وَجَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ حَمْلِ مَا يَغُلُّ بِهِ الْغَالُّ عَلَى رَقَبَتِهِ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ، شُبِّهَتْ حَالُ الْغَالِّ بِمَا يُرْهِقُهُ مِنْ أَثْقَالِ ذَنْبِهِ وَفَضِيحَتِهِ بِهِ مَعَ فَقْدِ الْمُعِينِ وَالْمُغِيثِ بِمَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَيْنَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَقْصِدُ أَرْجَى النَّاسِ لِإِغَاثَتِهِ فَيَخْذُلُهُ وَيَتَنَصَّلُ مِنْ إِغَاثَتِهِ، وَمَازَالَ النَّاسُ يُشَبِّهُونَ الْأَثْقَالَ الْمَعْنَوِيَّةَ بِالْأَثْقَالِ الْحِسِّيَّةِ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِالْحِمْلِ، يَقُولُونَ فُلَانٌ حَامِلُ أَثْقَالِ أَهْلِهِ أَوْ أَثْقَالِ الْبَلَدِ، وَفِي التَّنْزِيلِ اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٢٩: ١٢، ١٣] وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [٣٥: ١٨] عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: فَسَّرُوا الْإِتْيَانَ بِمَا غَلَّ بِهِ الْغَالُّ بِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ، وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْبَاءَ لِلْمُصَاحَبَةِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ. وَقَدْ عَدَلَ عَنْهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ كَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ وَقَالَ: إِنَّهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ لُقْمَانَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ

اللهَ لَطَيْفٌ خَبِيرٌ [٣١: ١٦] فَلَيْسَ مَعْنَى يَأْتِ بِهَا اللهُ أَنَّهُ يَحْمِلُهَا، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهَا أَتَمَّ الْعِلْمَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مَهْمَا كَانَتْ مُسْتَتِرَةً ; لِأَنَّ مَنْ يَأْتِي بِالشَّيْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَغُلُّهُ الْغَالُّ هُوَ عِبَارَةٌ - أَوْ قَالَ كِنَايَةٌ - عَنِ انْكِشَافِهِ وَظُهُورِهِ ; أَيْ إِنَّ كُلَّ غُلُولٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>