بَلْ هُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّ شُرَكَاءَهُمُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا امْتِيَازَهُمْ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْمُلُوكِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَبِيدٌ أَمْثَالُهُمْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَرِكَةٌ مَا فِي مَقَامِ الْعِبَادَةِ لَا بِدُعَاءٍ وَلَا نِدَاءٍ، وَكَذَلِكَ مَا اسْتَكْبَرُوا خَلْقَهُ أَوْ نَفْعَهُ أَوْ ضَرَّهُ كَالْكَوَاكِبِ وَالنَّارِ وَبَعْضِ الْأَنْهَارِ وَالْحَيَوَانَاتِ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ (٧: ١٩٤) ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ، أَيْ يَدْعُونَهُمْ وَيَتَوَسَّلُونَ بِهِمْ هُمْ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، الَّتِي تُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى وَهِيَ التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ أَيْ: أَقْرَبُهُمْ وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً كَالْمَلَائِكَةِ، وَالْمَسِيحِ يَبْتَغِي هَذِهِ الْوَسِيلَةَ إِلَيْهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، وَإِنَّ أَعْرَفَهُمْ بِهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفًا مِنْهُ وَرَجَاءً فِي فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَتَجِدُ الْمَلَايِينَ مِنْهُمْ يَدْعُونَ الْمَسِيحَ وَيُوَجِّهُونَ كُلَّ عِبَادَتِهِمْ إِلَيْهِ وَحْدَهُ تَارَةً، وَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ مَعَ اسْمِهِ تَارَةً أُخْرَى، وَتَجِدُ مَلَايِينَ مِنْ دُونِهِمْ يَدْعُونَ وَيُنَادُونَ مِنْ دُونِ الْمَسِيحِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَيَصْمُدُونَ إِلَى قُبُورِهِمْ أَوْ إِلَى الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ الَّتِي اتَّخَذَهَا قُدَمَاءُ الْمَفْتُونِينَ بِهِمْ تِذْكَارًا لَهُمْ، وَإِنَّنِي أَكْتُبُ هَذَا فِي ضَوَاحِي مَدِينَةِ " دِهْلِي " مِنْ أَعْظَمِ مُدُنِ الْهِنْدِ وَأَنَا أَرَى أَصْنَافًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَجُولُونَ أَمَامِي فِي مَصَالِحِهِمْ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِيَقُولُنَّ خَلْقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٤٣: ٩) ، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْمَعْبُودَاتُ أَوِ الْأَوْلِيَاءُ وَسَائِطُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَشُفَعَاءٌ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ (١٠: ١٨) ، وَلَكِنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَا يَقْبَلُ الْعِبَادَةَ إِلَّا خَالِصَةً لِوَجْهِهِ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ إِنَّا أَنْزَلَنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ (٣٩: ٢، ٣) .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ مُوَحِّدِينَ، وَهُمْ يَفْعَلُونَ مِثْلَمَا يَفْعَلُ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنَّهُمْ يُفْسِدُونَ فِي اللُّغَةِ كَمَا يُفْسِدُونَ فِي الدِّينِ، فَلَا يُسَمُّونَ أَعْمَالَهُمْ هَذِهِ عِبَادَةً، وَقَدْ
يُسَمُّونَهَا تَوَسُّلًا أَوْ شَفَاعَةً، وَلَا يُسَمُّونَ مَنْ يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ شُرَكَاءَ، وَلَكِنْ لَا يَأْبَوْنَ أَنْ يُسَمُّوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَشُفَعَاءَ، وَإِنَّمَا الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ عَلَى الْحَقَائِقِ لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ إِلَّا دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ وَنِدَاؤُهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، لَكَفَى ذَلِكَ عِبَادَةً لَهُ هُوَ وَشُرُكَاهُ بِاللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ " الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ " وَالْأُولَى تَفْقِدُ حَصْرَ الْعِبَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ حَصْرٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّ مَا عَدَا الدُّعَاءَ لَا يُعَدُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ حَدِيثِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute