للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَكَانٍ، وَيَنْخَدِعُ بِهَا الْعُلَمَاءُ كَالْعَوَامِّ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ غُوسْتَافُ لُوبُونْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَيْسَتْ مِمَّا يُجْهَلُ تَعْلِيلُهُ مِنَ الْفَلَتَاتِ وَالشَّوَاذِّ، وَإِنَّنَا بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ بِأَيَّامٍ جَاءَتْنَا مَجَلَّةُ الْمُقْتَطَفِ (الصَّادِرَةُ فِي ٢٣ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذَا الْعَامِ ١٣٣١) فَقَرَأْنَا فِي مَقَالَةٍ فِيهَا عُنْوَانُهَا (مُنَاجَاةُ الْأَرْوَاحِ وَالْبَحْثُ فِي النَّفْسِ) : أَنَّ أَرْبَعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الْإِنْجِلِيزِ وَكِبَارِ عُقَلَائِهِمُ الثِّقَاتِ شَاهَدُوا وَاقِعَةً مِنْ وَقَائِعِ مُسْتَحْضِرِي

الْأَرْوَاحِ، احْتَاطُوا فِيهَا أَشَدَّ الِاحْتِيَاطِ ; لِئَلَّا تَكُونَ غِشًّا أَوْ شَعْوَذَةً، وَكَانَ الْوَسِيطُ فِيهَا - أَيِ الَّذِي يَسْتَحْضِرُ الرُّوحَ - رَجُلًا اسْمُهُ (مِسْتَرْ هُومْ) وَقَدْ شَهِدَ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ الثِّقَاتُ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا الرُّوحَ الْمُسْتَحْضَرَ فَخَاطَبَ كُلًّا مِنْهُمْ بِاسْمِهِ، وَأَجَابَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَأَنَّ أَحَدَهُمْ سَأَلَهُ: أَلَكَ جِسْمٌ حَقِيقِيٌّ أَمْ أَنْتَ خَيَالٌ؟ فَقَالَ: إِنَّ جِسْمِي أَقْوَى مِنْ جِسْمِكَ، فَامْتَحَنَهُ بِوَضْعِ أُصْبُعِهِ فِي فِيهِ فَأَلْفَاهُ حَارًّا، وَأَسْنَانُهُ صُلْبَةٌ حَادَّةٌ، وَعَضَّهُ عَضَّةً صَرَخَ مِنْ أَلَمِهَا.

قَالَ الْمُقْتَطَفُ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَاقِعَةِ: إِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَعْوَذَةً مِنْ (مِسْتَرْ هُومْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ قَدْ رَبَطُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِأَسْلَاكٍ مِنَ النُّحَاسِ إِلَى كُرْسِيٍّ مُتَّصِلٍ بِالْمَوْقِدِ مُوَثَّقًا بِذَلِكَ الرِّبَاطِ، وَلَحَمُوا الْأَسْلَاكَ بِلِحَامٍ مَعْدِنِيٍّ، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِقُوَّةٍ بَشَرِيَّةٍ أَنْ تُزِيحَهُ مِنْ مَكَانِهِ مَا لَمْ تُقْطَعِ الْأَسْلَاكُ الْمَعْدِنِيَّةُ، ثُمَّ رَأَوْهُ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ الْوَاقِعَةِ كَمَا تَرَكُوهُ فِي قُيُودِهِ وَأَغْلَالِهِ.

(ثُمَّ قَالَ الْمُقْتَطَفُ وَهُوَ مَحِلُّ الشَّاهِدِ) : " وَإِذَا لَمْ يَكُنْ (هُومْ) قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُوكَسْ وَكْرُوكَسْ وَغِلْتُونْ قَدْ خُدِعُوا كُلُّهُمْ فَرَأَوْا مَا لَا يُرَى وَسَمِعُوا مَا لَا يُسْمَعُ ; لِأَنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُ النَّاسِ أَفْعَالًا خَارِقَةً، لَا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُمْ فِعْلَهَا، يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَيَّلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ وَيَسْمَعُونَ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، كَيْفَ لَا؟ وَالنَّائِمُ وَالْحَادِسُ يَرَيَانِ وَيَسْمَعَانِ مَا لَا وُجُودَ لَهُ ".

أَقُولُ: فَإِذَا جَازَ فِي رَأْيِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَفَلَاسِفَتِهِ أَنْ يَنْخَدِعَ الْعُلَمَاءُ الطَّبِيعِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ بِالتَّخَيُّلِ، فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْخَدِعَ بِهِ مِثْلُ مَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الْعَصَبِيَّةِ (الْهِسْتِيرِيَّةِ) وَتُومَا وَإِخْوَانِهِ مِنْ صَيَّادِي السَّمَكِ! وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَخَيَّلَ ضُبَّاطُ الْمُدَرَّعَةِ (بِيلْ بُولْ) وَعَسْكَرُهَا وَبَحَّارَتُهَا زَوْرَقًا يُسَاوِرُهُ الْغَرَقُ، فَيَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ بِأَعْيُنِهِمْ، وَهُوَ مُكْتَظٌّ بِالْمُسْتَنْجِدِينَ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَيْدِيَهُمْ تُومِئُ وَتُشِيرُ، وَيَسْمَعُونَ جَلَبَتَهُمْ بِالصِّيَاحِ وَالضَّجِيجِ، وَإِذَا جَازَ أَيْضًا أَنْ يَتَخَيَّلَ جَمَاهِيرُ الصَّلِيبِيِّينَ الْقِدِّيسَ جُورْجَ فَوْقَ أَسْوَارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ; فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ حَقِيقَةً، فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا التَّخَيُّلِ فِي أُولَئِكَ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْمَسِيحَ بَعْدَ حَادِثَةِ الصَّلْبِ، إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَلَى انْقِطَاعِ سَنَدِهَا؟ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَجْزِمَ بِضْعَةُ عَشَرَ شَاهِدًا فِي الْبِنْتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>