للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّتَيْنِ غَرِقَتَا فِي نَهْرِ السِّينِ جَزْمًا مَبْنِيًّا عَلَى مَا شُبِّهَ لَهُمْ، فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْزِمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي يَهُوذَا الَّذِي كَانَ يُشْبِهُ الْمَسِيحَ مَنْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْمَسِيحَ؟ !

وَقَعَ فِي عَصْرِنَا هَذَا وَاقِعَتَانِ مِنْ قَبِيلِ مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْمَسِيحِ، وَرُؤْيَةِ الْقِدِّيسِ جُورْجَ (إِحْدَاهُمَا) : وَقَعَتْ فِي الشَّامِ مُنْذُ سِنِينَ ; وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا اسْمُهُ عَلِي رَاغِب اشْتَغَلَ بِالتَّصَوُّفِ وَالرِّيَاضَةِ فَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَيَالَاتُ فَكَانَ إِذَا تَخَيَّلَ شَيْئًا مُهِمًّا عِنْدَهُ يَتَمَثَّلُ لَهُ، كَأَنَّهُ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدِ اشْتَغَلَ زَمَنًا بِقِرَاءَةِ الْأَنَاجِيلِ حَتَّى كَانَ يَحْفَظُ مِنْهَا مَا لَا يَكَادُ يَحْفَظُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى، ثُمَّ إِنَّهُ عَاشَرَ بَعْضَ النَّصَارَى فِي دِمَشْقَ حَتَّى كَانَ يَحْضُرُ كَنَائِسَهُمْ، فَكَثُرَ تَخَيُّلُهُ لِقِصَّةِ الصَّلْبِ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الْأَنَاجِيلِ فَرَأَى الْمَسِيحَ مَرَّةً مُتَمَثِّلًا أَمَامَهُ بِالصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ الصَّلْبِ، وَرَأَى أَثَرَ الْمَسَامِيرِ فِي يَدَيْهِ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ حِسِّيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَخَطَبَ فِي النَّصَارَى بِذَلِكَ، فَصَدَّقُوهُ وَقَالُوا إِنَّهُ قِدِّيسٌ، وَشَاعَتِ الْمَسْأَلَةُ وَلَغَطَ النَّاسُ بِهَا، ثُمَّ الْتَقَى الشَّيْخُ طَاهِرٌ الْجَزَائِرِيُّ بِالشَّيْخِ رَاغِبٍ هَذَا، وَتَحَدَّثَا فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَفْجَأْهُ الشَّيْخُ طَاهِرُ بِالتَّخْطِئَةِ، بَلْ شَغَلَ بَالَهُ وَخَيَالَهُ بِآيَاتِ الْمَسِيحِ، وَبِمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الظُّهُورِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ (كَمَا ذَكَرُوا فِي الْإِنْجِيلِ) وَانْتَقَلَ مِنْ هَذَا إِلَى مَسْأَلَةِ إِلْقَاءِ شَبَهِهِ عَلَى يَهُوذَا، وَمَا بَيَّنَهُ اللهُ - تَعَالَى - مِنَ التَّشْبِيهِ لَهُمْ، فَمَا زَالَ يُحَدِّثُهُ بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى ذَهَبَ، وَلِقِصَّةِ الصَّلْبِ فِي خَيَالِهِ صُورَةٌ أُخْرَى، فَرَأَى الْمَسِيحَ مُتَمَثِّلًا أَمَامَهُ، وَلَيْسَ فِي يَدَيْهِ وَلَا غَيْرِهَا أَثَرٌ لِلصَّلْبِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَقِيقَةِ مَسْأَلَةِ الصَّلْبِ فَقَالَ لَهُ: أَلْقَيْتُ عَلَى يَهُوذَا صُورَةً مِنْ صُوَرِي فَأَخَذُوهُ وَصَلَبُوهُ، فَذَهَبَ الشَّيْخُ رَاغِبٌ وَخَطَبَ فِي النَّصَارَى بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ فَنَبَذُوهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ. فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ تُشْبِهُ رُؤْيَةَ تُومَا لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَأَمَّا الْوَاقِعَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَخَيَّلَ أَنَّ الشَّيْخَ الْمَتْبُولِيَّ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ الْمَعْرُوفِ بِجِوَارِ مَحَطَّةِ مِصْرَ، وَوَقَفَ عَلَى قُبَّتِهِ، ثُمَّ طَارَ فِي الْهَوَاءِ، وَنَزَلَ عَلَى الْكَنِيسَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي يُنْشِئُهَا الْيُونَانِيُّونَ، وَلَمَّا شَاعَ هَذَا الْخَبَرُ فِي الْقَاهِرَةِ، اجْتَمَعَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ عِنْدَ الْكَنِيسَةِ، وَصَارُوا يَهْتِفُونَ بِاسْمِ الْمَتْبُولِيِّ، فَفَرَّقَتْهُمُ الشُّرْطَةُ وَالشَّحْنَةُ بِالْقُوَّةِ، وَادَّعَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْمَتْبُولِيَّ فِيهَا. وَرَوَتْ بَعْضُ الْجَرَائِدِ

الْيَوْمِيَّةِ أَنَّ مَجْذُوبًا مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِينَ قَالَ: أَنَا الْمَتْبُولِيُّ، فَصَدَّقَهُ النَّاسُ، وَصَارُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ. وَلَوْلَا حَزْمُ الْحُكُومَةِ لَحَدَثَ بَيْنَ عَوَامِّ الْمِصْرِيِّينَ وَالْيُونَانِيِّينَ مِنْ جَرَّاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِتَنٌ سُفِكَتْ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَلَكِنَّ الْحُكُومَةَ تَدَارَكَتْ ذَلِكَ، وَفَرَّقَتْ شَمْلَ الْجَمَاهِيرِ، وَقَبَضَتْ عَلَى بَعْضِهِمْ وَحَبَسَتْهُمْ.

هَذَا، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يُنَاجُونَ الْأَرْوَاحَ يَرَوْنَ الْمَسِيحَ وَأُمَّهُ كَثِيرًا، وَقَدْ تَعَرَّفَ إِلَيَّ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْمَظَاهِرِ الدُّنْيَوِيَّةِ، يُخْفِي تَصَوُّفَهُ عَنْ أَقْرَانِهِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَرَى أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَتَلَقَّى عَنْهُمْ عُلُومًا يَكْتُبُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّهُ رَأَى عِيسَى وَمَرْيَمَ - عَلَيْهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>