للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الْأَحْكَامِ، وَفَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَمَا أَحَلَّ اللهُ وَحَرَّمَ، أَيْ كَمَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَمُجْمَلُ مَعْنَى الْآيَةِ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَا بَحِيرَةَ وَلَا سَائِبَةَ وَلَا وَصِيلَةَ وَلَا حَامٍ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ لَمْ يُحَرِّمْهُ اللهُ عَلَيْكُمْ قَطُّ، وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَلَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنَ اللُّحُومِ الَّتِي ذَكَّوْا حَيَوَانَهَا، أَوْ صَادُوهَا كَيْفَمَا كَانَتْ تَذْكِيَتُهُ وَصَيْدُهُ عِنْدَهُمْ، وَأَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا تُذَكُّونَ وَتَصْطَادُونَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ لَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِقَوْمٍ لَا يَشْمَلُهُمْ وَصْفُهُمْ ; كَالْمَنْذُورِ عَلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ بِالذَّوَاتِ أَوْ بِالْوَصْفِ. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، حِلٌّ لَكُمْ كَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَمَا قَرَّرَهُ فِي آيَةِ النِّسَاءِ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ (٤: ٢٤) لَمْ يُحَرِّمْهُنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ إِذَا أَعْطَيْتُمُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ الَّتِي تَفْرِضُونَهَا لَهُنَّ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِلَّا وَجَبَ لَهُنَّ مَهْرُ الْمِثْلِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونُوا قَاصِدِينَ بِالزَّوَاجِ إِحْصَانَ أَنْفُسِكُمْ

وَأَنْفُسِهِنَّ، لَا الْفُجُورَ الْمُرَادُ بِهِ سَفْحُ الْمَاءِ جَهْرًا وَلَا سِرًّا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الِاحْتِيَاطُ وَبَحْثُ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ إِنْشَاءٌ لِحِلِّهَا الْعَامِّ الدَّائِمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهُ بَلْ قَالَ: حِلٌّ لَكُمْ وَهُوَ خَبَرٌ مُقَرِّرٌ لِلْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: مَسْأَلَةُ مُؤَاكَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَسْأَلَةُ نِكَاحِ نِسَائِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا مِنْ قَبْلُ وَأُحِلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَا بِتَحْرِيمٍ مِنَ اللهِ وَلَا بِتَحْرِيمِ النَّاسِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ; كَمَا حَرَّمُوا بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ. فَهَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ نُكْتَةِ اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ، وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاحِثُونَ فِي نُكَتِ الْبَلَاغَةِ الَّذِينَ اطَّلَعْنَا عَلَى كَلَامِهِمْ، وَحِكْمَةُ النَّصِّ عَلَى هَذَا الْحِلِّ قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْغُلَاةِ أَنْ يُحَرِّمُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ مَعَ النَّصِّ الصَّرِيحِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ طَعَامَنَا حِلٌّ لَهُمْ دُونَ نِسَائِنَا، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُزَوِّجَهُمْ مِنَّا ; لِأَنَّ كَمَالَ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَتَهُ لَا يَظْهَرَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ لِسُلْطَانِ الرَّجُلِ عَلَيْهَا، هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ لِمَنْ يَفْهَمُ الْعِبَارَةَ مُجَرَّدًا مِنْ تَقَالِيدِ الْمَذَاهِبِ، فَمَنْ فَهِمَ مِثْلَ فَهْمِنَا، فَفَهْمُهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِ، وَلَا نُجِيزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَنَا فِيهِ تَقْلِيدًا.

(فَصْلٌ فِي طَعَامِ الْوَثَنِيِّينَ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ)

أَخَذَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ مَفْهُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ طَعَامَ الْوَثَنِيِّينَ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ، سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ يَحْتَجُّ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّقَبِ ; كَالدِّقَاقِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ. وَالْقُرْآنُ لَمْ يُحَرِّمْ طَعَامَ الْوَثَنِيِّينَ وَلَا طَعَامَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مُطْلَقًا كَمَا حَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ، بَلْ حَرَّمَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، كَمَا حَرَّمَ مَا كَانَ يَأْكُلُهُ بَعْضُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>