للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا، وَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ، وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنَ النَّصِّ فِي الْحِلِّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ هَذَا يَدْخُلُ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ: " إِنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَرِدَ النَّصُّ بِحَظْرِهِ " فَإِنَّنَا نَرُدُّ الْأَمْرَ إِلَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، فَنَسْمَعُهُ يَقُولُ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ أَزْوَاجِ الْآبَاءِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا

مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (٤: ٢٣، ٢٤) الْآيَةَ.

فَنَقُولُ عَلَى أُصُولِهِمْ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ (٤: ٢٤) لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ بَعْدَمَا جَاءَ فِي الْبَقَرَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ، وَفِي سُورَةِ النُّورِ مِنْ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ وَالزَّانِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ نَزَلَ بَعْدَهُ صَحَّ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ نَزَلَ قَبْلَهُ يَكُونُ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ وَالزَّانِيَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ، سَوَاءٌ سُمِّيَ نَسْخًا أَمْ لَا، كَمَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ; مِنْ مَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبِنْتِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ إِلْحَاقًا بِهِ، وَجَعْلِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ كَالَّذِي يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فِي الْأُصُولِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، عَلَى أَنَّ الْجُمْهُورَ أَحَلُّوا التَّزَوُّجَ بِالزَّانِيَةِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَكُونُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِنَّ كَالْمَجُوسِيَّاتِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ كَمَا نَقَلَ الْحَافِظُ ابْنُ الْمُنْذِرِ دَاخِلًا فِي عُمُومِ نَصِّ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ وَأَكَّدَ حِلَّ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ كُلِّهِ.

وَخُلَاصَةُ مَا تَقَدَّمَ: أَنَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ جَائِزٌ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ، وَنِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ مُحَرَّمٌ. وَكَوْنُ لَفْظِ الْمُشْرِكَاتِ عَامًّا لِجَمِيعِ الْوَثَنِيَّاتِ، أَوْ خَاصًّا بِمُشْرِكَاتِ الْعَرَبِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ وَخِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ: " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُرَادًا بِحُكْمِهَا مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ " وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَلَكِنَّ هَذَا قَالَ: " مُشْرِكَاتُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ " وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ ابْنَ جَرِيرٍ مِنْ عَدِّهِ قَائِلًا بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمُشْرِكَاتِ الْعَرَبِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ سَائِرِ رِوَايَاتِ الْخِلَافِ: " وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ قَتَادَةُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>