للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ) قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُقْنِعِ ص ٥٣١ ج٢) مَا نَصُّهُ: " وَيُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ ; أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا ; فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَعَنْهُ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ ".

وَذَكَرَ فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْمَذْهَبِ إِبَاحَةُ ذَبِيحَةِ بَنِي تَغْلِبَ، قَالَ: " وَأَمَّا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُبَاحُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالثَّانِيَةُ لَا تُبَاحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ;

لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَالتَّحْرِيمَ، فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ - أَيِ الصَّيْدَ - مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ ". انْتَهَى.

أَقُولُ: " وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ، هُوَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَبِ، وَكَانَ اللَّائِقُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ فِي الدِّينِ أَنْ يَجْعَلُوا ذَبْحَ الصَّغِيرِ كَذَبْحِ أَشْرَفِ وَالِدَيْهِ، وَأَمَّا الْبَالِغُ فَلَا وَجْهَ لِلْبَحْثِ عَنْ أَبَوَيْهِ ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كِتَابِيًّا كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْآيَةِ.

ثُمَّ قَالَ (فِي ص ٥٣٧) مِنْهُ: " وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ; كَذِي الظُّفْرِ - أَيْ عِنْدَ الْيَهُودِ - لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا، وَإِنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا غَيْرَهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ، أَيِ الْكِرْشِ وَالْكُلْيَتَيْنِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، رَحِمَهُ اللهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَحَكَاهُ عَنِ الْخَرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ، وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي تَحْرِيمَهُ، وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ مَا يُعَظِّمُونَهُ، لَمْ يَحْرُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ " انْتَهَى، أَيْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ فِيهِ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.

وَقَالَ (فِي ص ٥٣٥ مِنْهُ) : الرَّابِعُ، أَيْ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ: أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ، لَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا، إِلَّا الْأَخْرَسَ فَإِنَّهُ يُومِئُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَمْ تُبَحْ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا أُبِيحَتْ، وَعَنْهُ تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، وَعَنْهُ لَا تُبَاحُ فِيهِمَا.

قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: " قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا. . . إِلَخْ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إِجْمَاعًا فِي سُقُوطِهَا سَهْوًا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ، وَمِمَّنْ أَبَاحَ مَا نُسِيَتِ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ، فَقِيلَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللهَ؟ فَقَالَ:

:

<<  <  ج: ص:  >  >>