وَبُرَيْدَةَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالضِّيَاءِ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنِ الْبَرَاءِ، وَحَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ، وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَوَثَّقَ أَيْضًا
سَنَدُ مَنْ زَادَ فِيهِ: " اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ". . . إِلَخْ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ، فَذَكَرَ أُصُولَ الدِّينِ وَوَصَّى بِأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ: " إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخْلِفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، اللهُ مَوْلَايَ، وَأَنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ "، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَالَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ لَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: هَنِيئًا لَكَ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَهُ تَبْرِئَةُ عَلِيٍّ مِمَّا كَانَ قَالَهُ فِيهِ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْيَمَنِ، وَاسْتِمَالَتُهُمْ إِلَيْهِ؛ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ كَانَ قَدْ وَجَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَاتَلَ مَنْ قَاتَلَ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ مَنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَجَّلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُدْرِكَ مَعَهُ الْحَجَّ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَسَا ذَلِكَ الرَّجُلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُلَّةً مِنَ الْبَزِّ الَّذِي كَانَ مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا دَنَا جَيْشُهُ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَ عَلَيْهِمُ الْحُلَلَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَانْتَزَعَهَا مِنْهُمْ، فَأَظْهَرَ الْجَيْشُ شَكْوَاهُ مِنْ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ فِي غَزْوَةِ الْيَمَنِ، وَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ جَفْوَةً فَشَكَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ يَشْكُو عَلِيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إِذْ لَمْ يَفْعَلُ إِلَّا مَا يُرْضِي الْحَقَّ، خَطَبَ النَّاسَ فِي غَدِيرِ خُمٍّ، وَأَظْهَرَ رِضَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَوِلَايَتَهُ لَهُ، وَمَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُوَالَاتِهِ. وَغَدِيرُ خُمٍّ: مَكَانٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ، قَرِيبٌ مِنْ رَابِغٍ، عَلَى بُعْدِ مِيلَيْنِ مِنَ الْجُحْفَةِ. قَالُوا: وَقَدْ نَزَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَ النَّاسَ فِيهِ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَدِ اتَّخَذَتْهُ الشِّيعَةُ عِيدًا عَلَى عَهْدِ بَنِي بُوَيْهِ فِي حُدُودِ الْأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى وِلَايَةِ السُّلْطَةِ، الَّتِي هِيَ الْإِمَامَةُ أَوِ الْخِلَافَةُ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْقُرْآنِ بِهَذَا الْمَعْنَى، بَلِ الْمُرَادُ بِالْوِلَايَةِ فِيهِ وِلَايَةُ النُّصْرَةِ وَالْمَوَدَّةِ الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا فِي كُلٍّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (٥: ٥١) وَمَعْنَاهُ مَنْ كُنْتُ نَاصِرًا وَمُوَالِيًا لَهُ فَعَلِيٌّ نَاصِرُهُ وَمُوَالِيهِ، أَوْ مَنْ وَالَانِي وَنَصَرَنِي فَلْيُوَالِ عَلِيًّا وَيَنْصُرْهُ. وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْفُو أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَيَنْصُرُ مَنْ يَنْصُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مَنْ يَنْصُرُ النَّبِيَّ أَنْ يَنْصُرَهُ، وَهَذِهِ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَدْ نَصَرَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَوَالَاهُمْ. فَالْحَدِيثُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى مَنْ وَالَاهُمْ مِثْلُهُ، بَلْ حُجَّةٌ لَهُ
عَلَى مَنْ يُبْغِضُهُمْ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى مَنْ وَالَى مُعَاوِيَةَ وَنَصَرَهُ عَلَيْهِ. فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِمَامَةِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى نَصْرِهِ إِمَامًا وَمَأْمُومًا. وَلَوْ دَلَّ عَلَى الْإِمَامَةِ عِنْدَ الْخِطَابِ لَكَانَ إِمَامًا مَعَ وُجُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشِّيعَةُ لَا تَقُولُ بِذَلِكَ، وَلِلْفَرِيقَيْنِ أَقْوَالٌ فِي ذَلِكَ، لَا نُحِبُّ اسْتِقْصَاءَهَا وَالتَّرْجِيحَ بَيْنَهَا ; لِأَنَّهَا مِنَ الْجَدَلِ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَوْقَعَ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute