للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ (الْأَوَّلِينَ) جَمْعُ الْأَوَّلِ الَّذِي يُقَابِلُهُ الْآخِرُ، مَعَ قِرَاءَتِهِمُ " اسْتُحِقَّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ (الْأَوْلَيَانِ) مُثَنَّى الْأَوَّلِ سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ " اسْتَحَقَّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَمَنْ قَرَأَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَرَسْمُ " الْأَوْلَيَانِ وَالْأَوَّلِينَ " فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ وَهُوَ هَكَذَا (الْأَوَّلِينَ) .

وَالْمَعْنَى: فَإِنِ اتَّفَقَ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَنِ الشَّهِيدَيْنِ الْمُقْسِمَيْنِ اسْتَحَقَّا إِثْمًا بِالْكَذِبِ أَوِ الْكِتْمَانِ فِي الشَّهَادَةِ أَوْ بِالْخِيَانَةِ وَكِتْمَانِ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ فِي حَالَةٍ ائْتَمَنَهُمَا عَلَيْهَا كَمَا ظَهَرَ فِي الْوَاقِعَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ النُّزُولِ فَالْوَاجِبُ أَوْ فَالَّذِي يُعْمَلُ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ هُوَ أَنْ تُرَدَّ الْيَمِينُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِأَنْ يَقُومَ رَجُلَانِ آخَرَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ الْوَارِثِينَ لَهُ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ ذَلِكَ الْإِثْمُ بِالْإِجْرَامِ عَلَيْهِمْ وَالْخِيَانَةِ لَهُمْ، وَهَذَانِ الرَّجُلَانِ الْوَارِثَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا هُمَا الْأَوْلَيَيْنِ بِالْمَيِّتِ، أَيِ الْأَقْرَبَيْنِ إِلَيْهِ الْأَحَقَّيْنِ بِإِرْثِهِ إِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ كَمَا تُفِيدُهُ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْهُمْ، كَمَا تُفِيدُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (الَأَوَّلِينَ) وَهُوَ صِفَةٌ لِلَّذِينِ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ. وَتُحْمَلُ الْقِرَاءَةُ الْأُولَى عَلَى طَلَبِ الْأَكْمَلِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ إِلَى الْمَيِّتِ. وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى مَا إِذَا مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إِقْسَامِ أَقْرَبِ الْوَرَثَةِ، أَوْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي حَلِفٍ غَيْرِهِ مِنْهُمْ لِامْتِيَازِهِ بِالسِّنِّ أَوِ الْفَضِيلَةِ، هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِالْأَوْلَيَيْنِ الْأَوْلَيَانِ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ الْمُوصِي، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَوْلَيَانِ بِالْقَسَمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، أَيْ أَجْدَرُ الْوَرَثَةِ بِالْيَمِينِ لِقُرْبِهِمَا مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ لِعِلْمِهِمَا أَوْ لِفَضْلِهِمَا، وَأَمَّا قِرَاءَةُ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ وَبِهَا يَقْرَأُ أَهْلُ بِلَادِنَا فَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا: إِنَّ " الْأَوْلَيَانِ " فِيهَا فَاعِلٌ اسْتَحَقَّ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنَ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ مَا تَرَكَهُ أَوْ نَدَبَهُمَا لِلشَّهَادَةِ.

وَذَهَبَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَيَيْنِ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ هُمَا الْوَصِيَّانِ قَالَ: وَوَجْهُهُ

أَنَّ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُمَا هُمَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمَيِّتَ عَيَّنَهُمَا لِلْوِصَايَةِ، وَلَمَّا خَانَا فِي مَالِ الْوَرَثَةِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَرَثَةَ قَدِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ، أَيْ خَانَ فِي مَالِهِمُ الْأَوْلَيَانِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ " الْأَوَّلَانِ " وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ اهـ.

أَقُولُ: الْوَجْهُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا " الْأَوْلَيَانِ " بِالْيَمِينِ فِي الْأَصْلِ; لِأَنَّهُمَا مُنْكِرَانِ وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يُقَالَ: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّا عَلَيْهِمُ الْإِثْمَ فَوُضِعَ الْمُظْهَرُ وَهُوَ " الْأَوْلَيَانِ " مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَهُمَا الْإِثْمَ بِمَا ظَهَرَ مِنْ حِنْثِهِمَا اقْتَضَى رَدَّهَا أَيِ الْيَمِينَ إِلَى الْوَرَثَةِ (فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا) أَيْ يَحْلِفَانِ عَلَى أَنَّ مَا يَشْهَدَانِ بِهِ مِنْ خِيَانَةِ الشَّهِيدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى وَصِيَّةِ مَيِّتِهِمَا أَحَقُّ وَأَصْدَقُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِمَا كَانَا

<<  <  ج: ص:  >  >>