الرَّسُولِ وَعِلْمُهُ كَقُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَعَلْمِهِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ الْآيَاتِ، وَبِأَنْ يُنْذِرَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْذَارًا خَاصًّا بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُرْجَى أَنْ يَنْتَفِعُوا بِكُلِّ إِنْذَارٍ، وَبِأَلَّا يَطْرُدَ مِنْ حَضْرَتِهِ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ، بِبَاعِثِ النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى مُعَامَلَتِهِمُ الْأَوْلَى الَّتِي أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (١٨: ٢٨) فَبَعْدَ هَذَا الْإِرْشَادِ فِي شَأْنِ الْكُفَّارِ الْمُعَانِدِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ حَسُنَ أَنْ يُرْشِدَ اللهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى شَيْءٍ فِي شَأْنِ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِيئُونَ الرَّسُولَ آنًا بَعْدَ آنٍ مُؤْمِنِينَ بِآيَاتِ اللهِ الْمُثْبِتَةِ لِلتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ، فَيَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ مُذْعِنِينَ لِأَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ - وَهُمُ الَّذِينَ أَرَادَ رُؤَسَاءُ الْمُشْرِكِينَ تَنْفِيرَهُمْ وَحَاوَلُوا صَدَّهُمْ - فَأَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنَّهُمْ صَارُوا فِي سَلَامٍ وَأَمَانٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فَهُوَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ عَمِلَ بَعْدَهُ سُوءًا بِجَهَالَةٍ فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَمْحُوَ أَثَرَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ، قَالَ:
(وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) السَّلَامُ وَالسَّلَامَةُ مَصْدَرَانِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ، يُقَالُ: سَلِمَ فَلَانُ مِنَ الْمَرَضِ أَوْ مِنَ الْبَلَاءِ سَلَامًا وَسَلَامَةً، وَمَعْنَاهُمَا الْبَرَاءَةُ وَالْعَافِيَةُ، وَالسَّلَامُ وَالْمُسَالَمَةُ مَصْدَرَانِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْضًا، يُقَالُ: سَالَمَهُ أَيْ بَارَأَهُ وَتَارَكَهُ، وَمِنْهُ تَرْكُهُ الْحَرْبَ. وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، يَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ نَقْصٍ، وَعَجْزٍ، وَفَنَاءٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُيُوبِ الْخَلْقِ وَضَعْفِهِمْ. وَاسْتُعْمِلَ السَّلَامُ فِي الْمُتَارَكَةِ وَفِي التَّحِيَّةِ مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً، يُقَالُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ بِالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَا يَسُوءُ، وَيُفِيدُ تَأْمِينَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ أَذًى يَنَالُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ،
فَهُوَ آيَةُ الْمَوَدَّةِ وَالصَّفَاءِ، وَثَبَتَ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُحَيِّيهِمْ بِهَا رَبُّهُمْ جَلَّ وَعَلَا، وَمَلَائِكَتُهُ الْكِرَامُ وَيُحَيِّي بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ تَحِيَّةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ السِّلْمِ وَالْمُسَالَمَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (٢: ٢٠٨) وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا السَّلَامِ هُنَا: أَهْوَ تَحِيَّةٌ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِهِ إِذَا جَاءُوهُ إِكْرَامًا خَاصًّا بِهِمْ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ الْعَامِّ - وَهُوَ كَوْنُ الْقَادِمِ هُوَ الَّذِي يُلْقِي السَّلَامَ - أَمْ هُوَ تَحِيَّةٌ مِنْهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ إِيَّاهَا عَنْهُ، أَمْ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْهُ تَعَالَى بِسَلَامَتِهِمْ وَأَمْنِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبِشَارَتِهِمْ بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ؟ رُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ عِكْرِمَةَ فَهُوَ، خَاصٌّ بِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ، وَالثَّانِي عَنِ الْحَسَنِ، وَالثَّالِثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَظْهَرُهَا، وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ آيَاتُ الْقُرْآنِ، الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى حُجَجِ اللهِ وَآيَاتِهِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ، وَهَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute