للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ. وَلَكِنْ كَانُوا يَدِينُونَ بِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُبِيحُونَهَا لِلْعَامَّةِ، وَأَنَّ الْيُونَانَ أَخَذُوا هَذَا النِّفَاقَ عَنْهُمْ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُمْ أَوَّلًا هُمْ قُدَمَاءُ الْمِصْرِيِّينَ، فَقَدْ كَانَ التَّوْحِيدُ مُنْتَهَى عِلْمِ حُكَمَائِهِمْ، وَكَانُوا يَكْتُمُونَهُ عَنِ الْعَامَّةِ ; لِأَنَّ اسْتِعْبَادَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ هُمْ أَعْوَانُهُمْ لَهَا لَا يَدُومُ إِلَّا بِالْوَثَنِيَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَيَّنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ مِرَارًا، وَالْيُونَانُ اقْتَبَسُوا مِنْ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ. عَلَى أَنَّ هِنْرِي رُولِنْسُنْ مِنْ مُدَقِّقِي مُؤَرِّخِي أُورُبَّةَ قَالَ: إِنَّ أُمَّةً مِنْ ضِفَافِ الدَّجْلَةِ وَالْفُرَاتِ ارْتَحَلَتْ إِلَى أُورُبَّةَ بِتِلْكَ الْعَقَائِدِ مَنْقُوشَةً فِي صَفَائِحِ الْآجُرِّ.

مِنْ آلِهَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ (إِلْ) وَهِيَ كَلِمَةٌ سَامِيَّةٌ عُرِفَتْ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ، قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: وَالْإِلُّ الرُّبُوبِيَّةُ، وَاسْمُ اللهِ تَعَالَى، وَكُلُّ اسْمٍ آخِرُهُ " إِلْ " وَ " إِيلُ " فَمُضَافٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَقَالَ: أَلَّ الْمَرِيضُ وَالْحَزِينُ يَئِلُّ أَلَّا وَأَلَلًا: أَنَّ وَحَنَّ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ فِي مَادَّةِ (أي ل) إِيلُ - بِالْكَسْرِ - اسْمُ اللهِ تَعَالَى، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ بَحْثٌ فِي كَوْنِ الْإِلِّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْإِلُّ الرُّبُوبِيَّةُ، وَالْأُلُّ - بِالضَّمِّ - الْأَوَّلُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي (إِيلٌ) مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبْرَانِيٌّ أَوْ سُرْيَانِيٌّ. ثُمَّ نُقِلَ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ جِبْرَائِيلَ وَشَرَاحِيلَ وَأَشْبَاهَهُمَا كَشُرَحْبِيلَ تُنْسَبُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ " لِأَنَّ إِيلًا لُغَةٌ فِي " إِلٍّ " وَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَقَوْلِهِمْ: عَبْدُ اللهِ وَتَيْمُ اللهِ " أَقُولُ: وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي (إِلٍّ) وَضَعَّفَهُ بِمَنْعِ جِبْرِيلَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الصَّرْفِ، أَيْ دُونَ شُرَحْبِيلَ وَشِهْمِيلَ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ،

وَنَقَلَ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِيلُ عُرِّبَ فَقِيلَ: إِلٌّ. ثُمَّ قَالَ فِي مَادَّةِ (ال هـ) وَقَدْ سَمَّتِ الْعَرَبُ الشَّمْسَ لَمَّا عَبَدُوهَا إِلَهَةً، وَالْإِلَهَةُ الشَّمْسُ الْحَارَّةُ - حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَالْأَلِيهَةُ وَالْأَلَاهَةُ (بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ) وَأُلَاهَةٌ (مَضْمُومَةُ الْهَمْزَةِ غَيْرُ مُعَرَّفَةٍ) كُلُّهُ الشَّمْسُ. . إِلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ: الْأَلَاهَةُ الْأُلُوهَةُ وَالْأُلُوهِيَّةُ: الْعِبَادَةُ، وَذَكَرَ عِنْدَ تَفْسِيرِ الْإِلَهِ بِالْمَعْبُودِ فِي أَوَّلِ الْمَادَّةِ قَوْلَهُمْ: إِلَهٌ بَيْنَ الْإِلَهَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَالْأُلْهَانِيَّةُ، وَأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ أَلِهَ يَأْلُهُ (مِنْ بَابِ عَلِمَ) إِذَا تَحَيَّرَ.

هَذَا وَإِنَّ دَلَالَةَ مَادَّةِ " أَل هـ " عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْمَعْبُودِ سَامِيَّةٌ قَدِيمَةٌ مَنْقُولَةٌ عَنِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْبُسْتَانِيُّ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ عِنْدَ تَعْرِيفِ اسْمِ (اللهِ) بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ، الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ - أَيْ كَمَا قَالَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ - وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ أَلُوهِيمُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا لَا تَكْثِيرًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ اللهِ، وَ " يَهْوَهُ " أَيِ الْكَائِنُ، وَهُوَ خَاصٌّ بِهِ تَعَالَى، وَإِيلٌ أَيِ الْقَدِيرُ، وَبِالسُّرْيَانِيَّةِ أُلُوهُو وَبِالْكَلْدَانِيَّةِ إِلَاهَا. انْتَهَى.

وَفِي تَوَارِيخِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْعَادِيَّاتِ (الْآثَارِ الْقَدِيمَةِ) أَنَّ أَعْظَمَ أَرْبَابِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَآلِهَتِهِمْ (إِيلُ - أَوْ - إِلْ) فَهُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ، وَأَصْلُ الْآلِهَةِ، وَلَيْسَ لَهُ تِمْثَالٌ وَلَا صُورَةٌ فِي مَعَابِدِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مِمَّا وَرِثُوا مِنْ دِينِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>