صِفَاتِ الْخَلْقِ وَتَخَيُّلَاتِهِمْ، وَرَوَى ديودورسُ عَنْ فِيلُو أَنَّهُ مُرَادِفٌ لِزُحَلَ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِزُحَلَ أَبُو الْمُشْتَرَى كَمَا قِيلَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فِي عُصُورِ قُدَمَاءِ مُلُوكِهِمْ، وَمِمَّا قَالُوا عَنْهُ فِي أَقْدَمِ الْخُرَافَاتِ أَنَّهُ أُولِدَ وَلَدَيْنِ (أَنَا) وَ (بِيلُ) . وَ (أَنَا) هَذَا هُوَ رَأْسُ (الثَّالُوثِ) الْكَلْدَانِيِّ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْمَ بِمَعْنَى اسْمِ الْجَلَالَةِ (اللهُ) وَيَقُولُونَ: " أَنُو " - إِذَا كَانَ فَاعِلًا - وَ " أَنَا " إِذَا كَانَ مَفْعُولًا، وَإِنِي إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ. وَمِنْ أَلْقَابِهِ عِنْدَهُمُ: الْقَدِيمُ، وَالرَّأْسُ الْأَصْلِيُّ، وَأَبُو الْآلِهَةِ، وَرَبُّ الْأَرْوَاحِ وَالشَّيَاطِينِ، وَمَلِكُ الْعَالَمِ الْأَسْفَلِ، وَسُلْطَانُ الظَّلَامِ أَوْ رَأْسُ الْمَوْتِ. وَوُجِدَتْ آثَارُ عِبَادَتِهِ فِي مَدِينَةِ (أَرَكَ) وَهِيَ الْوَرْكَاءُ، قَالَ يَاقُوتٌ: الْوَرْكَاءُ مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ الرَّوَابِي، وُلِدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ بَنَى أَحَدُ مُلُوكِهِمْ مَعْبَدًا لَهُ وَلِابْنِهِ (قَوَلَ) فِي أَشُورَ سَنَةَ ١٨٣٠ قَبْلَ الْمَسِيحِ، فَصَارَ اسْمُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ (تَلَّانَ) وَأَصْلُهُ (تَلُّ أَنَا) جَاءَ ذِكْرُهُ فِي آجُرٍّ لِلْمَلِكِ (أَوْرَكَهْ) اكْتُشِفَتْ فِي أَنْقَاضِ (أَمِّ
قَبْرٍ) هَذِهِ تَرْجَمْتُهُ " إِنَّ إِلَهَ الْقَمَرِ ابْنُ شَقِيقِ (أَنُو) وَبِكْرُ (بِعَلُوسَ) قَدْ حَمَلَ عَبْدَهُ (أَوْرَكَهْ) الرَّئِيسَ التَّقِيَّ مَلِكُ (أُورُ) عَلَى بِنَاءِ هَيْكَلِ (تَسِينْ كَاثُو) مَعْبَدًا مُقَدَّسًا لَهُ ".
وَالثَّانِي مِنْ ثَالُوثِهِمْ (بُلُوسُ - أَوْ - بِيلُ وَ) لَعَلَّهُمَا مُحَرَّفَانِ عَنْ (بَعْلَ) وَ (بَعْلُوسَ) وَمِنْ أَسْمَائِهِمْ (أَنُو) وَ (إِيلُ انْيُو) وَمَعْنَاهُ السَّيِّدُ. وَتَلْحَقُ غَالِبًا بِلَفْظِ (نَيْبِرُو) وَمُؤَنَّثُهَا (نَيْبُرُوثَ) وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ كَلِمَةِ (نَمْرُودَ) الَّتِي هِيَ فِي تَرْجَمَةِ التَّوْرَاةِ السَّبْعِينِيَّةِ (نَيْبُرُوثُ) وَكَلِمَةُ (نَيْبُرُو) مُشْتَقَّةٌ مِنْ كَلِمَةِ " بَابَارِ " السُّرْيَانِيَّةِ، وَمَعْنَاهَا طَارَدَ. وَتَدُلُّ مَادَّةُ نَبَرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الِارْتِفَاعِ، فَنَبَرَ: رَفَعَ، وَالنَّبْرَةُ: الشَّيْءُ الْمُرْتَفِعُ، فَفِيهَا مَعْنَى الشَّرَفِ، وَمَعْنَاهَا فِي الْأَشُورِيَّةِ يُقَارِبُ مَعْنَاهَا فِي السُّرْيَانِيَّةِ (فَبِيلُ نَبْرُو) بِمَعْنَى السَّيِّدِ الصَّيَّادِ، أَوْ رَبِّ الصَّيْدِ - وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّهُ نَمْرُودُ الْمَذْكُورُ فِي الْعَهْدِ الْعَتِيقِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ يَصِيدُ الْوُحُوشَ. وَهُوَ بَعْلُوسُ الَّذِي ذَكَرَ مُؤَرِّخُو الْيُونَانِ أَنَّهُ يَأْتِي مَدِينَةَ (بَابِلَ) وَمِلِكُهَا الْأَوَّلُ، وَدَلَّتِ الْآثَارُ عَلَى أَنَّ الْأَشُورِيِّينَ كَانُوا يُسَمُّونَهَا مَدِينَةَ (بَلْ نَبْرُو) وَظَلَّ الْكَلْدَانِيُّونَ يَعْبُدُونَ (نَمْرُودَ) مُدَّةَ وُجُودِ دَوْلَتِهِمْ، وَكَانُوا يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْآلِهَةِ، وَيُكَنُّونَ زَوْجَهُ الْمُسَمَّاةَ (مُولِيتَا - أَوْ - أَنُوتَا) بِأُمِّ الْآلِهَةِ الْعِظَامِ، وَلَكِنْ وُصِفَتْ فِي بَعْضِ الْآثَارِ بِأَنَّهَا زَوْجُ (نِينَ) وَهُوَ ابْنُهَا، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهَا زَوْجُ (أَشُورَ) وَلَهَا أَلْقَابٌ عَظِيمَةٌ، وَوُجِدَ لَهَا عِدَّةُ هَيَاكِلَ.
وَالثَّالِثُ مِنْ ثَالُوثِهِمْ (حُوَا - أَوْ - حَيَا) وَهُوَ حَيَوَانٌ بَعْضُهُ كَالْإِنْسَانِ وَبَعْضُهُ كَالسَّمَكِ، زَعَمُوا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ خَلِيجِ فَارِسَ لِيُعَلِّمَ سُكَّانَ ضِفَافِ النَّهْرَيْنِ عِلْمَ الْفَلَكِ وَالْأَدَبَ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ اخْتِرَاعُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَقَدْ وُجِدَ اسْمُهُ عَلَى صَحِيفَةٍ مِنَ الْآجُرِّ وُجِدَتْ فِي خَرَائِبِ (أُورَ) وَيَرَى بَعْضُ الْبَاحِثِينَ أَنَّ اسْمَهُ مِنْ مَادَّةِ الْحَيَاةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوِ الْحَيَّةِ، وَشِعَارُهُ فِي الْقَلَمِ الْكَلْدَانِيِّ الشَّكْلُ الْإِسْفِينِيُّ، وَمِنْهُ رَسْمُ الْحَيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُنْتَهَى الذَّكَاءِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى الْحَيَاةِ، وَلَهُ أَلْقَابٌ عَظِيمَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute