عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّهُ مِنِ اعْتِرَاضِ الْجَاهِلِينَ عَلَى أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ. انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ وَيَتْلُوهُ التَّشْنِيعُ عَلَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي سِيَاقِ رَدٍّ طَوِيلٍ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَالتَّعَجُّبُ مِنْ نَقْلِ كِبَارِ عُلَمَائِهِمْ لِهَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي سَمَّاهَا خُرَافَةً.
وَغَرَضُنَا مِنْ نَقْلِ كَلَامِهِ إِقْنَاعُ الْقَارِئِ بِأَلَّا يَطْمَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ الْخَالِصِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ مُتَعَصِّبٍ لِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِحِ ; لِأَنَّنَا نَقْطَعُ بِأَنَّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ بِالدِّينِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَاءَ بِهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَأَلَّفَتْ لَهُ عَصَبِيَّةٌ تَنْصُرُهُ وَتَعُدُّ كَلَامَهُ أَصْلًا فِي الدِّينِ تَقْبَلُ مَا وَافَقَهُ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَرُدُّ مَا خَالَفَهُ بِتَأْوِيلٍ أَوْ بِاحْتِمَالِ وُجُودِ تَأْوِيلٍ.
(٤) لَمَّا ظَهَرَ الْجَدَلُ الَّذِي سُمِّيَ عِلْمَ الْكَلَامِ عَدَّهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِدْعَةً سَيِّئَةً وَنَهَوْا عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَمِينَ إِلَيْهِمْ مِنْ كِبَارِ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ
وَالْمُرْجِئَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ، وَأَكْثَرُ الْأَشَاعِرَةِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْمُخْلِصِينَ مِنْهُمْ كَانُوا (يَرْجِعُونَ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي أَوَاخِرِ أَعْمَارِهِمْ) كَمَا صَرَّحْنَا بِهِ مِرَارًا، وَأَكْبَرُ أَنْصَارِ مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى وَأَقْوَاهُمْ حُجَّةً شَيْخَا الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَشَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ وَمِنْ أَوْسَعِ كُتُبِ الْأَخِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ الَّذِي تَخُوضُ فِي أَعْضَلِ مَسَائِلِهِ كِتَابُ (مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ) وَكِتَابُ (شِفَاءُ الْعَلِيلِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ) .
(٥) كَلِمَةُ الِاعْتِدَالِ الْوُسْطَى فِي الْخِلَافِ بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ: " اعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ فَاعِلٌ غَيْرُ مُنْفَعِلٍ، وَالْعَبْدَ فَاعِلٌ مُنْفَعِلٌ. وَهُوَ فِي فَاعِلِيَّتِهِ مُنْفَعِلٌ لِلْفَاعِلِ الَّذِي لَا يَنْفَعِلُ بِوَجْهٍ. فَالْجَبْرِيَّةُ شَهِدَتْ كَوْنَهُ مُنْفَعِلًا يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ وَالْمَحَلِّ، وَجَعَلُوا حَرَكَتَهُ بِمَنْزِلَةِ حَرَكَاتِ الْأَشْجَارِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فَاعِلًا إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، فَقَامَ وَقَعَدَ وَأَكَلَ وَصَلَّى وَصَامَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ: مَرِضَ وَأَلِمَ وَمَاتَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِيهِ مُنْفَعِلٌ مَحْضٌ. وَالْقَدَرِيَّةُ شَهِدَتْ كَوْنَهُ فَاعِلًا مَحْضًا غَيْرَ مُنْفَعِلٍ فِي فِعْلِهِ. وَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ نَظَرَ بِعَيْنٍ عَوْرَاءَ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالِاعْتِدَالِ أَعْطَوْا كُلَّ الْمَقَامَيْنِ حَقَّهُ وَلَمْ يُبْطِلُوا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ، فَاسْتَقَامَ نَظَرُهُمْ وَمُنَاظَرَتُهُمْ وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُمُ الشَّرْعُ وَالْقَدَرُ فِي نِصَابٍ وَشَهِدُوا وُقُوعَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ " وَأَفَاضَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَالشَّوَاهِدِ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ.
وَمَا ذَكَرَ مِنْ نَوْطِ خَطَأِ الْغُلَاةِ بِنَظَرِ بَعْضِهِمْ إِلَى أَحَدِ وَجْهَيِ الشَّيْءِ أَوْ جُزْئِهِ وَنَظَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute