خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ:
الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الـ١٦ وَهِيَ: هَلْ تَنْتَفِعُ أَرْوَاحُ الْمَوْتَى بِشَيْءٍ مِنْ سَعْيِ الْأَحْيَاءِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهَا تَنْتَفِعُ مِنْ سَعْيِ الْأَحْيَاءِ فِي أَمْرَيْنِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَحَدُهُمَا: مَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، وَالثَّانِي: دُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ. (قَالَ)
وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ عَلَى نِزَاعٍ: مَا الَّذِي يَصِلُ مِنْ ثَوَابِهِ! هَلْ هُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ أَمْ ثَوَابُ الْعَمَلِ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: يَصِلُ ثَوَابُ الْعَمَلِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّمَا يَصِلُ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ. ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَزَعَمَ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وُصُولُهَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ الشَّيْءَ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُ نِصْفَهُ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ. قَالَ: أَرْجُو. وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالْجَوَابِ، وَأَنَّ مَوْضُوعَ السُّؤَالِ انْتِفَاعُ الْوَالِدَيْنِ بِعَمَلِ الْوَلَدِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ فِي رَجَائِهِ خُرُوجٌ عَنِ النَّصِّ إِلَّا فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ - ثُمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِلُ. وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ شَيْءٌ، لَا دُعَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ؟ .
(أَقُولُ) : رَاجَعْتُ بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ كِتَابَ الْفُرُوعِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ فَرَأَيْتُ فِيهِ خِلَافًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ عُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، أَحْسَنُهُ وَأَوْلَاهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ فِي بَحْثِ إِهْدَاءِ الثَّوَابِ. وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَهُ كَلَامًا فِي عَدَمِ جَوَازِ الْإِيثَارِ بِالْفَضَائِلِ وَالدِّينِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِجَوَازِ بَعْضِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَتَقْدِيمِ وَالِدِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ - وَكَلَامًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيثَارِ بِمَا أَحْرَزَهُ وَمَا لَمْ يُحْرِزْهُ، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ شَيْخُنَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ إِهْدَاءُ ذَلِكَ إِلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، بَلْ كَانُوا يَدْعُونَ لَهُمْ فَلَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عَنْهُمْ ; وَلِهَذَا لَمْ يَرَهُ شَيْخُنَا كَمَنْ لَهُ أَجْرُ الْعَالِمِ كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمِ الْخَيْرِ بِخِلَافِ الْوَالِدِ لِأَنَّ لَهُ أَجْرًا لَا كَأَجْرِ الْوَلَدِ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ يُثَابُ عَلَى إِهْدَائِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِثْلُهُ أَيْضًا، فَإِنْ جَازَ إِهْدَاؤُهُ فَهَلُمَّ جَرًّا، وَيَتَسَلْسَلُ ثَوَابُ الْعَامِلِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ عَمَلٍ وَعَمَلٍ، وَإِنْ قِيلَ يَحْصُلُ ثَوَابُهُ مَرَّتَيْنِ لِلْمَهْدِيِّ إِلَيْهِ وَلَا يَبْقَى لِلْعَامِلِ ثَوَابٌ فَلَمْ يُشَرِّعِ اللهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَعَ غَيْرَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا مَنفَعَةَ لَهُ فِي الدَّارَيْنِ فَيَتَضَرَّرَ (كَذَا) وَلَا يَلْزَمُ دُعَاؤُهُ لَهُ وَنَحْوُهُ ; لِأَنَّهُ مُكَافَأَةٌ لَهُ كَمُكَافَأَتِهِ لِغَيْرِهِ، يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَدْعُوُّ لَهُ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمُكَافَأَةِ وَلِلْمَدْعُوِّ لَهُ مِثْلُهُ فَلَمْ يَتَضَرَّرْ وَلَمْ يَتَسَلْسَلْ وَلَا يَقْصِدُ أَجْرَهُ إِلَّا مِنَ اللهِ " اهـ.
وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ أَقْدَمَ مَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ الْمُوَفَّقِ أَحَدُ الشُّيُوخِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ طَبَقَةِ أَحْمَدَ وَشُيُوخِ الْجُنَيْدِ، ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ تَارِيخِ الْحَاكِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute